الخطاب الفعلي بالترك في ذلك الظرف أعني ما بعد الدخول يكون ساقطا ، كما أنّ الخروج أيضا يكون مشتملا على ملاك الأمر الذي هو المقدّمية للتخلّص من الغصب على وجه يعاقب على ترك ذلك الخروج ، غايته أنّه لا يخاطب بذلك خطابا فعليا ، وحينئذ فيكون الخروج عنده واجدا للملاكين ، غايته أنّه لا يكون في البين خطاب شرعي مولوي لا من ناحية النهي ولا من ناحية الايجاب ، فيكون على كلّ حال مستحقّا للعقاب ، والمصحّح له هو سوء اختياره ، وإن لم يكن مندرجا في قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا بالمعنى الذي شرحه شيخنا قدسسره (١) ولا بالمعنى الذي شرحه في الكفاية (٢) ، وصرّح بأنّ ما نحن فيه ليس من ذلك القبيل ، فراجع الكفاية وما أفاده شيخنا قدسسره وتأمّل.
وكيف كان نظر صاحب الكفاية قدسسره في ملاك الايجاب ، فإنّه مصرّح بأنّ هذا المكلّف بعد أن دخل الدار بسوء اختياره يدور أمره بين البقاء والخروج ، وكلاهما معصية للنهي السابق الساقط بالعصيان ، غير أنّ الثاني منهما أخفّ عصيانا لكونه أقل ، فيتعيّن عليه بحكم العقل نظرا إلى كونه أقل القبيحين ، لكنّه مع ذلك معاقب عليه ، وليس له أن يعتذر بأنّه بعد دخوله اضطرّ إلى ارتكاب أحدهما ، لأنّ هذا الاضطرار لمّا كان بسوء اختياره لا يكون معذّرا وموجبا لارتفاع العقاب عنه.
وهذا هو محصّل ما يقال من أنّ الامتناع بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار ، لكونه مختارا من أوّل الأمر في الاقدام على ما يعلم أنّه ينتهي به إلى ذلك الامتناع والاضطرار ، فهو لا يريد أن يدّعي أنّ نفس الحركة الخروجية صار تركها ممتنعا عليه كي يتوجّه عليه ما أفاده شيخنا أوّلا من أنّ نفس الخروج ليس تركه ممتنعا
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ١٨٩ ـ ١٩٣.
(٢) كفاية الأصول : ١٧٣.