السابقة ، فإنّ أقصى ما في الجمع بين كونها قيدا في الفعل اللاحق أو مقدّمة وجودية له وكون التكليف غير مشروط بها هو لزوم الاتيان بها فعلا ، وذلك ممكن مقدور وهو المطلوب للآمر.
هذا حال الأوامر المتعلّقة بفعل موقوف على فعل سابق على وجودها أو بفعل مركّب أو استمراري ، ومنه يعلم الحال في النواهي المتعلّقة بهذا النحو من الأفعال ، مثل ما لو توجّه النهي عن دخول مسجد الكوفة ، فإنّه لا يفرق في صحّة توجّهه بين كون المتوجّه إليه واقفا على الباب ، وبين كونه بعيدا عنه على وجه لو أراد الدخول لاحتاج إلى طي مقدار من المسافة ولو قليلا ، فإنّه يصحّ أن يتوجّه الخطاب إليه بالنهي عن الدخول مطلقا غير مشروط بطي تلك المسافة ولا معلّق عليها ، وإلاّ لاختصّ مثل قوله تعالى : ( لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ )(١) بمن كان واقفا على الباب ولم يكن محتاجا في دخوله إلى اعمال فعل وقطع مسافة إلاّ رفع قدمه من خارج البيت إلى داخلها ، وذلك واضح البطلان.
وهكذا الحال في النهي عن فعل استمراري أو مركّب ، فإنّ النهي يتعلّق فعلا بمجموع ذلك الفعل ، ولا يكون تعلّقه بالجزء الأخير منه مشروطا أو معلّقا على الأجزاء الأول وإلاّ لكان كلّ محرّم كذلك ، إذ ما من فعل محرّم إلاّ وله مبدأ ووسط وآخر ، فلو لم يصحّ النهي عن الآخر قبل فعل الأوّل ولا بعد فعل الجزء الأوّل امتنع النهي عن كلّ فعل.
وحينئذ ينسدّ باب التكاليف التحريمية بالمرّة ، إذ ليس لنا فعل بسيط غير مشتمل على جزء أوّل ووسط وآخر مهما قلّ زمانه وضاق استمراره ، مثلا لو كان قراءة البيت الفلاني من الشعر محرّما لكان النهي متعلّقا بكلّ كلمة من كلماته ،
__________________
(١) الأحزاب ٣٣ : ٥٣.