الأمر ويدلّ أيضا بدلالة أخرى على الملاك ، كي يقال إنّ سقوط الدلالة الأولى بالمعارضة لا يوجب سقوط الثانية ، بل إنّه ليس لنا في المقام إلاّ ثبوت الأمر بدليله ، ونحن بعد ثبوت الأمر بدليله نستكشف منه وجود الملاك في المورد الذي ثبت الأمر فيه.
ومن الواضح أنّه بعد فرض سقوط الدليل على الأمر في مورد من جهة معارضته لدليل النهي ، لا يبقى لنا في ذلك المورد ما يدلّ على الأمر كي نستكشف منه وجود الملاك في ذلك المورد ، إذ ليس هذا التخصيص إلاّ كسائر التخصيصات الشرعية الثابتة بالأدلّة الاجتهادية ، الموجبة لخروج المورد عن تحت عموم الأمر أو اطلاقه خطابا وملاكا ، وليس هو من قبيل التخصيص العقلي الناشئ عن عدم القدرة على المهمّ بعد تقديم الأهمّ ، لأنّ المسألة حينئذ من باب اجتماع الأمر والنهي في الصلاة التي صار تركها مقدّمة للازالة ، وليس التركيب انضماميا بل هو اتّحادي ، بل لا تركيب أصلا ، لأنّ المأمور به هو الصلاة بعنوانها والمنهي عنه هو الصلاة أيضا بعنوانها ، غاية الأمر أنّ علّة النهي هو كون تركها مقدّمة للازالة ، وقد حقّق في محلّه (١) أنّ عنوان المقدّمية من الجهات التعليلية لا التقييدية ، فتكون المسألة خارجة عن مسألة الاجتماع ، بل هي من تعارض العموم من وجه ، فإنّ الأمر بترك أضداد الازالة مع الأمر بالصلاة بينهما عموم من وجه ، لأنّ مفاد الأوّل اترك الأضداد سواء كانت صلاة أو غيرها ، ومفاد الثاني صلّ سواء كانت الصلاة ضدّا للازالة أو غيرها ، وحينئذ عند اجتماعهما في المورد لا بدّ من إعمال قواعد المعارضة ، وبعد تقديم دليل النهي تكون الصلاة المذكورة
__________________
(١) راجع الحاشيتين المذكورتين في الصفحة : ٨٦ ، ٨٨ من المجلّد الثالث من هذا الكتاب.