بما نقله قدسسره هو أنّها تكون كذلك بعد تعلّق النهي بها ، بحيث إنّها تكون مصداقا لأحد هذه العناوين الثلاثة ـ أعني ما أمر به لأجل التعبّد به ، أو ما يتوقّف صحّته على النيّة ، أو ما لا يعلم انحصار المصلحة فيه في شيء ـ حتّى بعد ملاحظة تعلّق النهي بها ، فذلك ضروري البطلان كما أفاده قدسسره. أمّا على الأوّل فواضح ، إذ لا يعقل تعلّق النهي بما هو مأمور به فعلا. ومن ذلك يتّضح لك عدم معقولية الاجتماع على التفسيرين الأخيرين ، حيث إنّ توقّف الصحّة على نية التقرّب لا يكون إلاّ من جهة كون الأمر به يستدعي توقّف صحّته على نيّة التقرّب ، وكذلك الوجه الأخير أعني كونه لا يعلم انحصار المصلحة فيه في شيء ، إذ المراد أنّه لا يعلم المصلحة الداعية إلى الأمر به ، فكان الأمر الفعلي معتبرا على كلا الوجهين ، ولا يمكن اجتماعه مع النهي.
وإن كان مراد من قال إنّ المراد بالعبادة هو ما يكون في حدّ نفسه لو لا لحاظ تعلّق النهي مصداقا لأحد هذه العناوين فذلك واضح لا غبار عليه ، غايته أنّه بعد لحاظ طرو النهي عليه يكون خارجا عن ذلك ، لكون النهي مخصّصا للأمر.
ومنه يتّضح لك التأمّل فيما أفاده أوّلا من تفسير العبادة بما يكون في حدّ نفسه خضوعا أو خشوعا ، أو سجودا له تعالى أو تسبيحا أو تقديسا له تعالى ، أو ما لو أمر به لكان عبادة ، فإنّ جميع هذه العبادات المنهي عنها تكون لو لا النهي مأمورا بها ، ولا أقل من عمومات إقامة الصلاة ، والندب إلى الصوم ، والبعث على العبادة ولو مثل قوله تعالى : ( لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(١) وغير ذلك من
__________________
(١) البيّنة ٩٨ : ٥. [ في الأصل : فاعبدوه مخلصين له الدين. وهو من سهو القلم. ويحتمل أن يريد بذلك قوله تعالى ( فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) غافر ٤٠ : ٦٥ ، أو قوله تعالى : ( فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ) الزمر ٣٩ : ٢ ].