النهي به كان ذلك دليلا على فسادها ، وخصّ به الدليل الدالّ على الصحّة ، بناء على القول بافادته الفساد ، وإن لم يقم دليل على الصحّة كان عدم الدليل كافيا في الحكم بالفساد من جهة الأصل ، والنهي أيضا دليل لفظي دالّ على فساده. والفرق بين الدليلين ظاهر ، ولا أقل من كونه مؤكّدا ، فتخصيص النزاع بالصورة الأولى كما نصّ عليه بعض الأفاضل ممّا لا وجه له (١).
ومن ذلك كلّه يظهر لك التأمّل فيما أفاده شيخنا قدسسره بقوله فيما نقله : بداهة أنّ غير العقود والايقاعات لم يتوهّم فيها دلالة النهي على الفساد الخ (٢).
فإنّك قد عرفت أنّ ذلك قد قال به أساطين الفن وأساتذة الأصول ، نعم الفساد المدّعى في ذلك ليس هو الفساد في المرتبة الأولى ، أعني به ما هو آت من ناحية نفس النهي ولو لم يكن في مقابله عموم أمر أو عموم إباحة وإذن ، بل إنّ الفساد المدّعى هو الفساد في المرتبة الثانية ، أعني به ما هو آت من ناحية التخصيص ، أو لا أقل من الفساد في المرتبة الثالثة الآتي من ناحية الأصل.
نعم إنّ هذا النهي لا أثر له في ناحية الحكم بفساد تلك المعاملة ، لأنّها حسب الفرض مورد لأصالة عدم ترتّب الأثر ، سواء كان في البين ذلك النهي أو لم يكن.
والخلاصة هي : أنّه لو لم يكن في البين إلاّ الأمر بفعل من الأفعال ثمّ ورد النهي عن بعض أنواعه ، كان ذلك النهي موجبا لخروج مورده عن حيّز الأمر ، ولو كان له مورد آخر لوجبت الاعادة ، مثل ما لو أمره بالتكلّم مع زيد ونهاه عن شتمه
__________________
(١) هداية المسترشدين ٣ : ١٢٠.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢٠٣ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].