بالنسبة إلى ما بعد انكشاف الخلاف فلأنّ مرجع الحكم بالإجزاء إن كان بلسان إسقاط الجزء أو الشرط الذي كان المأتي به فاقدا له كان انطباقه على المأمور به انطباقا قهريا ، وكذلك لو قلنا إنّ مرجع الإجزاء إلى تنزيل الفاقد منزلة الواجد ، إذ لا محصّل لذلك التنزيل بعد انكشاف الخلاف إلاّ إسقاط لزوم ذلك الذي انفقد.
أمّا القول بأنّ الإجزاء من باب اكتفاء الشارع بالفاقد كما أفاده قدسسره في أواخر البراءة فقد شرحنا هناك (١) أنّه لا يمكن إلاّ بأن يكون ذلك الفاقد مفوّتا لمصلحة الواجد ، وموجبا لعدم إمكان استيفائها ، ومعه لا صحّة أصلا كي نتكلّم في كونها مجعولة أو منتزعة. ومن ذلك كلّه يظهر الحال في الأوامر الاضطرارية.
ثمّ إنّه قدسسره بعد هذا الذي تقدّم ممّا يظهر منه أنّ الصحّة في موارد الحكم الظاهري وفي موارد الاجزاء تكون مجعولة ، أفاد حسبما حرّرته عنه توضيحا أو استدراكا لما تقدّم بما هذا لفظه حسبما حرّرته عنه وهو : أنّ الصحّة دائما انتزاعية ، وإنّما الاختلاف فيما تنتزع عنه ، فما ينتزع عنه صحّة كلّ مأتي به بالنسبة إلى كليّه الواقع في درجته يكون واقعيا لا تناله يد الجعل ، وما ينتزع عنه صحّة المأتي به بالنسبة إلى كلّي آخر ، أعني ذلك الحكم الشرعي الوارد على ذلك المصداق بأنّه مطابق للكلّي الواقعي الأوّلي يكون مجعولا للشارع ، انتهى.
وبنحو ذلك صرّح المرحوم الشيخ محمّد علي في هذا المقام ، فإنّه قال فيما حرّره عنه قدسسره بعد ذكره الخلاف في كونهما مجعولين ما هذا لفظه : والأقوى كونهما من الأمور الانتزاعية مطلقا في العبادات والمعاملات ، كالسببية والشرطية والجزئية والمانعية ، وإنّما المجعول هو منشأ الانتزاع ، وهذا ليس على اطلاقه ، بل ربما يكون منشأ الانتزاع أيضا غير مجعول. ثمّ أخذ في تفصيل ذلك إلى أن قال :
__________________
(١) [ الظاهر أنّ مراده قدسسره تحريراته المخطوطة ].