تنزيل ذلك الإجماع على تخصيص أدلّة القضاء ، وأنّه إنّما يجب القضاء فيما عدا موارد تبدّل الرأي أو تبدّل التقليد ، ولا دخل لذلك بالصحّة التنزيلية أصلا ، بل إنّه حينئذ يكون مؤكّدا للحكم بفساد ذلك المأتي به ، لكنّه مع ذلك لا يجب قضاؤه استنادا إلى الإجماع المذكور. أو نقول إنّ هذا الإجماع كاشف عن اختصاص حجّية الفتوى المتأخرة بما يكون من الأعمال متأخرا عنها ، فتخرج المسألة عمّا نحن فيه. على أنّ ثبوت هذا الإجماع محلّ نظر وإشكال ، فراجع ما حرّرناه فيما علّقناه في هذا الكتاب على مباحث الاجزاء (١).
والحاصل : أنّ دليل الاجزاء لا دخل له بالصحّة التنزيلية وتنزيل الفاقد منزلة الواجد ، وليس هو من الأحكام الظاهرية ، بل هو حكم واقعي لا تنزيل فيه أصلا ، فإن كان في مورد الاعادة كان مخصّصا لدليل الجزئية أو الشرطية ، وكان ملحقا لهما بالأجزاء والشرائط العلمية ، وإن كان في مورد القضاء كان مخصّصا لدليل القضاء ، ولا دخل لشيء من ذلك بالحكم الظاهري والصحّة الظاهرية ولا الصحّة الواقعية ، فتأمّل.
قوله : إلاّ أنّ الصحّة حينئذ لا تكون من الأحكام الظاهرية الصرفة ، بل تكون متوسّطة بينها وبين الأحكام الواقعية الثانوية ، فمن جهة أخذ الشكّ في موضوعها تكون من الأحكام الظاهرية ... الخ (٢).
قد تقدّم (٣) ما يظهر لك منه أنّ هذه الصحّة على تقدير كونها مجعولة للشارع ليست هي إلاّ واقعية ، ولا دخل لها بالأحكام الظاهرية. وكون موردها هو
__________________
(١) راجع المجلّد الثاني من هذا الكتاب ، الصفحة : ٤٢٧ وما بعدها.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٢١١ [ مع اختلاف يسير عمّا في النسخة المحشاة ].
(٣) تقدّم ذلك كلّه في الحاشية السابقة.