بكون النهي المذكور مفسدا ، كما أنّا لم نجزم بكونه غير مفسد ، كان علينا أن نقول إنّه لو كان لنا عموم يشمل هذه العبادة ، بحيث إنّها لو لا هذا النهي لكانت صحيحة جزما ، لكنّا بعد النظر إلى ورود النهي عنها ، ولم نجزم بأنّ النهي مفسد لها ، تدخل الحرمة المذكورة في احتمال المانعية ، بمعنى أنّا نحتمل أنّ تحريم العبادة مانع من صحّتها ، نظير لباس ما لا يؤكل لحمه ، فحينئذ نجري أصالة البراءة في مانعية التحريم المزبور ، ويلزمنا الحكم بصحّتها ، ويكون حال احتمال مانعية التحريم المذكور حال احتمال جزئية الاستعاذة فيما تقدّم ، من أنّه برفع تلك الجزئية أو هاتيك المانعية بحديث الرفع (١) يرتفع الشكّ في صحّة تلك الصلاة.
هذا فيما لو كانت الصلاة المذكورة في حدّ نفسها مع قطع النظر عن تعلّق النهي بها محكومة بالصحّة ، أمّا إذا كانت الصلاة المذكورة في حدّ نفسها محكومة بالفساد استنادا إلى أصالة الفساد ، لعدم عموم أو اطلاق يشملها في حدّ نفسها ، فأي أثر عملي حينئذ للشكّ في مانعية هذا التحريم ، وأي فائدة عملية ترتّب على اجراء أصالة البراءة في مانعية ذلك التحريم ، مع فرض كونها في حدّ نفسها محكوما عليها بالفساد ، وإنّما يظهر أثر ذلك فيما لو كان احتمال الفساد متطرّقا إلى هذه الصلاة من خصوص احتمال كون التحريم مانعا ، فإنّ أصالة البراءة حينئذ من هذه المانعية تنفعنا في إزالة الشكّ الآتي من ناحية تلك المانعية ، ويترتّب على ذلك حكمنا بصحّتها.
ومن ذلك يظهر الجواب عن ما ذكر في الحاشية على هذا الكتاب من قوله : لأنّ صحّة العبادة كما عرفت تتوقّف على وجود الأمر بها ، أو اشتمالها على ملاك المحبوبية غير مزاحم بملاك المبغوضية ، وشيء منهما لا يكون بمتحقّق في
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٦٩ / أبواب جهاد النفس ب ٥٦ ح ١ ، الخصال : ٤١٧ / ٩.