دلالة النهي على الفساد ، أمّا لو لم يثبت عندنا شيء من ذلك ، وتوقّفنا في كلّ من اقتضاء النهي الفساد وعدم اقتضائه له ، وتولّدت عندنا من ذلك التوقّف مسألة ، عنوانها هل يكون المرجع عند الشكّ في كون النهي عن العبادة أو المعاملة موجبا للفساد هو أصالة الفساد أو الصحّة أو الاشتغال أو البراءة ، إلى غير ذلك من الأصول ، ولا ريب أنّ تلك العبادة لو كانت في حدّ نفسها مع قطع النظر عن تعلّق النهي بها محكومة بالفساد ، فلا أثر عملي للكلام على أنّ ذلك النهي المشكوك كونه مفسدا لها هل يكون الأصل فيه أنّه مفسد لها أو لا.
وربما يتّضح لك ذلك عند الكلام على الجهة الثانية فنقول بعونه تعالى : تقدّمت الاشارة إلى مطلب حقّق في محلّه ، وهو أنّه عند الشكّ في الجزئية والشرطية والمانعية على نحو الشبهة الحكمية أو المفهومية يكون المرجع الأوّلي هو الاطلاق أو العموم لو كان لنا ذلك ، بأن يدّعى أنّ الصلاة في مثل اطلاق قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ )(١) شامل للصلاة الفاقدة للاستعاذة مثلا ، المفروض كون جزئيتها مشكوكة وأنّ المرجع بعد العجز عن اتمام حجّية ذلك الاطلاق هو البراءة ، فإنّ هذا الاطلاق بعد سقوطه عن الحجّية في مثل ذلك وإن كان المرجع الأوّلي بعد سقوطه هو أصالة عدم مشروعية هذه العبادة ، إلاّ أنّ أصالة البراءة الشرعية من وجوب الاستعاذة فيها يرفع هذا الأصل ، ويحكم بصحّة الصلاة المذكورة.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّه لو ورد نهي عن صلاة مخصوصة مثل صلاة الحائض ، فإن حكمنا بأنّ ذلك النهي يوجب فسادها فلا إشكال ، سواء كان لنا عموم يشمل هذه العبادة لو لا النهي أو لم يكن. وإن توقّفنا في ذلك ولم نجزم
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ٧٨.