المكاسب ، وكلام شيخنا قدسسره هناك لعلّه مخالف لما هنا ، فإنّه هناك جعل المعنى المصدري من باب المسبّب ، وهنا جعله من باب السبب ، فراجع وتأمّل.
وأخرى يكون النظر في ذلك النهي إلى ناحية كونه نقلا ماليا ، كما في مثل النهي عن نقل المصحف أو العبد المسلم إلى الكافر ، أو ناحية كونه علقة ازدواجية ، كما في مثل قوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ )(١) ، وليس هذا النهي بارشاد إلى الفساد ، لقوّة ظهوره في التحريم بواسطة ما اكتنف به من استثناء ( ما قَدْ سَلَفَ ) في زمان الجاهلية وتسميته ( مَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً ). وهكذا الحال في مثل قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) إلى قوله تعالى : ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ )(٢) فإنّ جميع هذه النواهي نواه تحريمية نفسية ، وعلى الظاهر أنّه لم يتردّد أحد في استفادة الفساد منها.
وكيف كان ، نقول إنّك تقدر على ارجاع ما أفاده الشيخ قدسسره في النحو الأوّل إلى ما ذكرناه في النحو الأوّل ، وارجاع ما أفاده في الوجه الثاني إلى ما ذكرناه في النحو الثاني من النهي ، فيكون مراده من السبب هو المعاملة بجهة النظر إلى كونها فعلا خارجيا ، ويكون مراده من المسبّب هو المعاملة أيضا لكن بملاحظة جهة النقل والانتقال فيها.
نعم ، الفرق بين ما ذكرناه في النحو الثاني وبين ما ذكره الشيخ فيه ، هو أنّ الشيخ يستدلّ على اقتضائه الفساد بنحو من الدلالة العرفية ، ونحن نريد أن نجعل النهي موجبا للفساد قهرا لكونه علّة لسلب السلطنة ، فلاحظ وتأمّل.
بل يمكن إرجاع ما أفاده شيخنا قدسسره إلى هذا التفصيل ، خصوصا مثل قوله
__________________
(١) النساء ٤ : ٢٢.
(٢) النساء ٤ : ٢٣.