يكون هذا الشيء مثلا معلولا لشيء آخر ، وذلك الآخر معلولا لآخر وهكذا ، فإنّ ذلك محال ، لأنّ حصول المعلول الأخير يتوقّف على حصول العلّة الأولى ، ومع فرض عدم تناهي العلل لا يكون حصول العلّة الأولى ممكنا ، وحينئذ يلزم من فرض وجود ذلك المعلول عدمه. أمّا التسلسل في المعلولات بأن يكون هذا الشيء علّة لآخر ، وذلك الآخر ـ المفروض كونه معلولا ـ علّة لآخر وهكذا فلا مانع منه. وحينئذ نقول : إنّ الأمر الأوّل المتعلّق بالصلاة مثلا يكون علّة لانطباق عنوان الاطاعة على امتثاله ، وهذا العنوان علّة في تولّد الأمر بالاطاعة المذكورة ، وهكذا.
ويعبّر عن الأوّل بعدم التناهي في العلل ، بحيث تذهب العلل إلى ما لا نهاية له ، فإنّه محال. ومنه يظهر لك فساد ما يظهر من الشمسية (١) من أنّه لا مانع من حصول أمور نظرية غير متناهية للنفس على القول بقدمها ، فإنّ هذه المسألة مثلا لو كانت نظرية مكتسبة من ثانية أخرى ، والثانية من الثالثة ، والثالثة من الرابعة وهكذا ، كان العلم بالأولى معلولا للعلم بالثانية ، والعلم بالثانية معلولا للعلم بالثالثة ، والعلم بالثالثة معلولا للعلم بالرابعة وهكذا ، وحينئذ لا يحصل لنا العلم بالأولى ولو قلنا بقدم النفس وبقائها سرمديا.
ويعبّر عن الثاني بعدم التناهي في المعلولات ، والظاهر أنّه لا مانع منه ، فإنّ العلّة الأولى بعد أن أوجدها الواجب المقدّس تكون هي المعلول الأوّل ، وهي توجد المعلول الثاني ، وهو يوجد المعلول الثالث ، وهكذا يستمرّ التوالد والانتقال من المعلول إلى ما بعده. مثلا لو حصل لنا العلم بمسألة ضرورية فهذا العلم الضروري نحصّل به مسألة نظرية ، وهذه بعد حصولها لنا نحصّل بها
__________________
(١) شرح الشمسية : ٩.