يجري حتّى في الملازمة الخفية ، وحينئذ يكون إدراج مثل ذلك في الدلالة اللفظية منوطا بأنّ هذه الملازمة لوضوحها يكون اللفظ الدالّ على وجود الملزوم دالا على وجود اللازم لأنّ ذلك الوضوح يسلب ما بينهما من التغاير ، فيكون الاخبار بأحدهما إخبارا بالثاني ، فيكون ذلك هو الملاك في كون هذه الدلالة لفظية ، لا أنّ ملاكه هو كون حضور الأوّل في الذهن موجبا لحضور الثاني ، بل إنّ ذلك أعني وضوح الملازمة هو الملاك أيضا في كون حضور الأوّل في الذهن موجبا لحضور الثاني فيه.
نعم ، يمكن أن يقال : إنّ وضوح الملازمة بتلك الدرجة لما لم يكن له ضابط يضبطه ، جعلوا الضابط فيه هو كون الملازمة بدرجة من الوضوح بحيث يكون حضور الأوّل في الذهن موجبا لحضور الثاني ، ويتفرّع على الوضوح بهذه الدرجة كون الاخبار عن الأوّل إخبارا عن الثاني ، وحينئذ يكون الأمر في ذلك سهلا ، لأنّا لا بدّ لنا بعد أن ثبت وجود الأوّل أن نحكم بوجود الثاني ، بحيث ننتقل من وجود الأوّل إلى وجود الثاني. وهذا المقدار لا إشكال فيه ، غايته أنّ ذلك الانتقال هل هو عقلي صرف أو أنّه بدلالة اللفظ الدالّ على وجود الأوّل ، بحيث يكون اللفظ الدالّ على الملزوم دالا على وجود اللازم دلالة لفظية. ولو صحّحنا ذلك فلا يكون إلاّ بنحو من التسامح ، وإلاّ فإنّ الدالّ على وجود الملزوم لو كان أمرا عقليا لم يكن ذلك الأمر العقلي دالا ابتداء على وجود [ اللازم ](١) ، وإنّما يدلّ ابتداء على وجود الملزوم ، ونحن ننتقل من وجود الملزوم إلى وجود اللازم ببرهان آخر ، وهو استحالة وجود الملزوم بدون اللازم ، فتأمّل.
__________________
(١) [ في الأصل : الملزوم ، والصحيح ما أثبتناه ].