ناشئا عن كونها من قبيل المتضايفين ، أو كان ناشئا عن اشتهار الموصوف في صفة خاصّة كاشتهار حاتم بالجود على وجه يكون حضوره في الذهن مستدعيا لحضورها فيه ـ وهذه الثلاثة لا لزوم فيها بين الذاتين. وتكلّف التفتازاني (١) للثالث وألحقه بالملازمة وسمّاها ملازمة عرفا ـ أو كان ناشئا عن وضوح الملازمة الذاتية بينهما على وجه يكون تصوّر أحدهما موجبا لتصوّر الآخر ، لأنّهما لشدّة الملازمة بينهما ووضوحها وجلائها لدى العقل يرى أنّ أحدهما عين الآخر ، على وجه يكون العقل بتعقّل أحدهما متعقّلا للآخر ، بحيث إنّه يغفل عن كونهما متغايرين وأنّ الثاني منهما لازم لذات الأوّل ، بل بواسطة وضوح الملازمة لا يرى التغاير بينهما.
وهذا الأخير إنّما يكون في اللازم الذي يكون فيه مجرّد تصوّر الملزوم كافيا في الحكم باللزوم ، كما في مثل لزوم ضعف الواحد للاثنين ، ومنه ملازمة الانتفاء عند الانتفاء للعلّية المنحصرة. ولكن هذا لو تمّ فإنّما يوجب كون اللفظ الموجب لحضور الأوّل منهما في ذهن السامع موجبا لحضور الثاني أيضا في ذهنه ، وهذه المرحلة ليست إلاّ مرحلة الدلالة الخطورية المعبّر عنها بالدلالة التصوّرية ، وأين ذلك من الدلالة التصديقية التي مرجعها إلى الحكم على المتكلّم بأنّه أراد الثاني.
نعم ، إنّا بعد أن تحقّق عندنا الملازمة الذاتية بينهما وأخبرنا المخبر بوجود الأوّل ننتقل إلى الحكم بوجود الثاني ، وهذا هو عبارة عن الاستدلال العقلي ، ولا دخل له بالدلالة اللفظية ، ولا دخل فيه أيضا لوضوح الملازمة وجلائها ، فإنّه
__________________
(١) لم نعثر عليه.