في الذهن ملازما لحضور معنى البصر في الذهن أيضا ، من دون أن يكون بينهما تلازم ذاتي ، كي يقال إنّ هذا التلازم التصوّري الذي هو عبارة عن الانتقال في عالم التصوّر من الأوّل إلى الثاني منشؤه وضوح الملازمة بينهما.
ولو كان المراد أنّ وضوح الملازمة بين التصوّرين هو الذي أوجب ذلك الانتقال ، ففيه أنّ الملازمة بين التصوّرين ليست إلاّ كون تصوّر الأوّل موجبا للانتقال إلى تصوّر الثاني ، فلا معنى لاتّصافها بالوضوح والخفاء ، ولا لكون الوضوح هو الذي أوجب ذلك الانتقال ، لما عرفت أنّ ذلك الانتقال التصوّري هو عين الملازمة المذكورة.
وهكذا الحال في الأبوّة والبنوّة فإنّهما ليسا من المتلازمين بحسب الذات ، إذ التلازم الذاتي إنّما ينشأ عن كون [ أحد ] الأمرين معلولا للآخر أو كونهما معلولين لعلّة ثالثة ، والمفروض أنّهما لا علّية ومعلولية بينهما وليسا معلولين لعلّة ثالثة ، ومع ذلك يكون تصوّر أحدهما مستدعيا لتصوّر الثاني ، فلا يمكن أن يقال إنّ منشأه هو وضوح الملازمة ، لما عرفت من أنّه لا ملازمة بينهما ، بل إنّ منشأه هو التضايف بينهما الموجب لكون تعقّل أحدهما مستدعيا تعقّل الآخر ، وحينئذ لو خصصنا اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ بما يكون منشأ الانتقال التصوّري فيه هو وضوح الملازمة ، لخرجت هذه الأمثلة عن كونها من قبيل اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ.
نعم ، يمكن أن نوسّع المنطقة في اللزوم البيّن بالمعنى الأخصّ ، ونقول إنّه عبارة عن كون تصوّر الأوّل موجبا لتصوّر الثاني ، سواء كان ذلك ناشئا عن كون الثاني مأخوذا في معنى الأوّل بالنحو الذي شرحناه في العمى والبصر ، أو كان