الشمولية والاستغراق ـ الذي هو عبارة عن تعدّد الحكم ، في قبال المجموعية التي هي عبارة عن وحدة الحكم ـ من مقام الاثبات والدلالة ، ولم يكن هذا التعدّد الناشئ عن الاستغراق والشمول في غير مقام الاثبات كي يقال إنّه لا تأثير له في كيفية استفادة المفهوم من الكلام. إنّ ذلك لعمري من الغرائب.
ثمّ إنّا لو سلّمنا أنّ المعلّق في أمثال هذه القضايا هو العموم لا الآحاد ، إلاّ أنّا في خصوص أخبار الكر نقول إنّ المعلّق هو الآحاد ، لكونها واردة في موارد خاصّة من بول الدواب وولوغ الكلاب واغتسال الجنب ، مثل قوله عليهالسلام في صحيحة ابن مسلم قال « قلت له : الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ، قال عليهالسلام : إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء » (١). فمثل هذه الصحيحة شاهد على أنّ النظر في ذلك إلى الآحاد لا إلى عمومية العام.
وأمّا ما ذكره من الأمثلة العرفية مثل إذا لبس زيد لامة حربه لم يخف أحدا ، أو إذا غصب الأمير لم يحترم أحدا ، ونحو ذلك فلا شاهد فيه على ما نحن فيه ، إذ ليس المقصود من أحد هو كلّ أحد حتّى الطفل الصغير ، بل المراد هو من يكون من أقرانه ممّن يمكن الخوف منه أو ممّن يستحقّ الاحترام ، وحينئذ يكون المقام مسوقا لبيان أنّه إذا لبس لامة حربه لا يبالي بمن ينبغي المبالاة منه ، فلا بدّ أن يكون مفهومه أنّه إن كان أعزل يبالي بمن ينبغي المبالاة منه ، فيكون خارجا عمّا نحن فيه ، لوجود القرينة السياقية. مضافا إلى أنّه لو نزّلناه على العموم الاستغراقي وكان مفاده أنّه لا يبالي بكلّ واحد من أقرانه ، فلا مانع من أن يكون مفهومه أنّه يبالي عند ما يكون أعزل بكلّ واحد من أقرانه.
ومن جميع ما حرّرناه تعرف أنّه لم يكن فيما ذكرناه من كون المفهوم
__________________
(١) وسائل الشيعة ١ : ١٥٩ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٥.