١٤٥٠ / ٢. مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحسَيْنِ (١)، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ
__________________
الخامس : أنّه لمّا كلّف الله تعالى الأرواح أوّلاً في الذرّ وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشرّ باختيارهم في ذلك الوقت ، وتفرّع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم ، كما دلّت عليه بعض الأخبار فلا فساد في ذلك ».
وقال العلاّمة الطباطبائي في ذيل هذا الحديث : « الأخبار مستفيضة في أنّ الله تعالى خلق السعداء من طينة علّيّين من الجنّة ، وخلق الأشقياء من طينة سجّين من النار ، وكلّ يرجع إلى حكم طينته من السعادة والشقاء. وقد اورد عليها أوّلاً بمخالفة الكتاب ، وثانياً باستلزام الجبر الباطل.
أمّا البحث الأوّل فقد قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ) [ الأنعام (٦) : ٢ ] وقال : ( وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ) [ السجدة (٣٢) : ٧ ] ، فأفاد أنّ الإنسان مخلوق من طين ، ثمّ قال تعالى : ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها ) الآية ، [ البقرة (٢) : ١٤٨ ] وقال : ( ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ) الآية ، [ الحديد (٥٧) : ٢٢ ] فأفاد أنّ للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء ، وهو متوجّه إليها ، سائر نحوها ، وقال تعالى : « ( كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ ) الآية ، [ الأعراف (٧) : ٢٩ ـ ٣٠ ] فأفاد أنّ ما ينتهي إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه وقد كان في بدء خلقه طيناً ، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء. وآخر السعيد إلى الجنّة وآخر الشقيّ إلى النار ، فهما أوّلهما ؛ لكون الآخر هو الأوّل ، وحينئذ صحّ أنّ السعداء خلقوا من طينة الجنّة ، والأشقياء خلقوا من طينة النار ، وقال تعالى : ( كَلاّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) [ المطففين (٨٣) : ١٨ ـ ٢١ ] ، ( كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ) [ المطفّفين (٨٣) : ٧ ـ ١٠ ] الآيات ، وهي تشعر بأنّ « علّيّين » و « سجّين » ، هما ما ينتهي إليه أمر الأبرار والفجّار من النعمة والعذاب ، فافهم.
وأمّا البحث الثاني ، وهو أنّ أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميّين للإنسان ، ومعه لايكون أحدهما اختياريّاً كسبيّاً للإنسان ، وهو الجبر الباطل.
والجواب عنه أنّ اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها ، بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء ، فيرجع الإشكال إلى سبق قضاء السعادة والشقاء في حقّ الإنسان قبل أن يخلق وأنّ ذلك يستلزم الجبر. وقد ذكرنا هذا الإشكال مع جوابه في باب المشيئة والإرادة [ ذيل ح ٣٨٧ ] وحاصل الجواب أنّ القضاء متعلّق بصدور الفعل عن اختيار العبد ، وهو فعل اختياريّ في عين أنّه حتميّ الوقوع ولم يتعلّق بالفعل ، سواء اختاره العبد ، أو لم يختره حتّى يلزم منه بطلان الاختيار. وأمّا شرح ما تشتمل عليه هذه الأخبار تفصيلاً فأمر خارج عن مجال هذا البيان المختصر ، فليرجع فيه إلى مطوّلات الشروح والتعاليق ، والله الهادي ».
(١) هكذا في « ب ، جح » وحاشية « جك ». وفي سائر النسخ والمطبوع : « محمّد بن الحسن ». والصواب ما أثبتناه ؛ فقد روى الصفّار الخبر في بصائر الدرجات ، ص ١٦ ، ح ٧ ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن عبد الغفّار الجازي. وترجم النجاشي لعبد الغفّار بن حبيب الطائي الجازي وقال : « له كتاب يرويه جماعة