__________________
قال المحقّق الشعراني في تعليقته على شرح المازندراني ، ج ٨ ، ص ٤ : « ليس في الباب الأوّل من هذا الكتاب حديث يعتمد على إسناده ، بل جميع أخباره ضعيفة بوجه ، ولكنّ في البابين بعده أخباراً توصف بالحسن أو التوثيق ولكنّ مضامينها مخالفة لُاصول المذهب وللروايات الآتية في الباب الرابع ؛ أعني باب فطرة الخلق على التوحيد ؛ وذلك لأنّ من اصول مذهبنا العدل واللطف وإن لم يخلق بعض الناس أقرب إلى قبول الطاعة وبعضهم أبعد ، والتبعيض في خلق المكلّفين مخالف لمقتضى العدل ؛ لأنّه تعالى سوّى التوفيق بين الوضيع والشريف ، مكّن أداء المأمور وسهّل سبيل اجتناب المحظور. وخلق بعض الناس من طينة خبيثة ، إمّا أن يكون ملزماً باختيار المعصية جبراً ، وهو باطل ، وإمّا أن يكون أقرب إلى قبول المعصية ممّن خلق من طينة طيّبة ، وهو تبعيض وظلم ، وقلنا : إنّه مخالف للروايات الآتية في الباب الرابع ؛ لأنّها صريحة في أنّ الله تعالى خلق جميع الناس على فطرة التوحيد ، وليس في أصل خلقهم تشويه وعيب ، وإنّما العيب عارض ، وهكذا ما نرى من خلق الله تعالى ؛ فإنّه خلق الماء صافياً ، وإنّما يكدّره الأرض التربة. وكذلك الإنسان خلق سالماً من الخبائث وأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه.
وأيضاً القرآن يدلّ على أنّ جميع الناس قالوا : بلى ، في جواب ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) [ الأعراف (٧) : ١٧٢ ] فالأصل الذي عليه اعتقادنا أنّ جميع أفراد الناس متساوية في الخلقة بالنسبة إلى قبول الخير والشرّ ، وإنّما اختلافهم في غير ذلك ، فإن دلّت رواية على غير هذا الأصل فهو مطروح ، أو مؤوّل بوجه ، سواء علمنا وجهه ، أو لم نعلم. ومن التأويلات التي هي في معنى طرح الروايات تأويل الشارح ؛ فإنّ الروايات صريحة في أنّ الطينة مؤثّرة في صيرورة العبد سعيداً أو شقيّاً ، وأوّلها الشارح بأنّها غير مؤثّرة ».
وقال العلاّمة المجلسي في مرآة العقول ، ج ٧ ، ص ١٥ : « اعلم أنّ ما ذكر في هذا الباب وفي بعض الأبواب الآتية من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، وممّا يوهم الجبر ونفي الاختيار ، ولأصحابنا رضوان الله عليهم فيها مسالك :
الأوّل : ما ذهب إليه الأخباريّون ، وهو أنّا نؤمن بها مجملاً ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها وعن أنّها من أيّ جهة صدرت ونردّ علمها إليهم عليهمالسلام.
الثاني : أنّها محمولة على التقيّة ؛ لموافقتها لروايات العامّة ومذاهب الأشاعرة الجبريّة ، وهم جلّهم.
الثالث : أنّها كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون ؛ فإنّه سبحانه لمّا خلقهم وكان عند خلقهم عالماً بما يصيرون إليه فكأنّه خلقهم من طينات مختلفة.
الرابع : أنّها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابليّاتهم ، وهذا أمر بيّن لايمكن إنكاره ؛ فإنّه لايريب عاقل في أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأباجهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابليّة ، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف ؛ فإنّ الله تعالى كلّف النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بقدر ما أعطاه من الاستعداد والقابليّة لتحصيل الكمالات ، وكلّفه ما لم يكلّف أحداً مثله ، وكلّف أباجهل ما في وسعه وطاقته ، ولم يجبره على شيء من الشرّ والفساد.