بَيْنَ (١) الطِّينَتَيْنِ ، فَمِنْ هذَا (٢) يَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ ، وَيَلِدُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ ، وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ السَّيِّئَةَ ، وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْكَافِرُ الْحَسَنَةَ ؛ فَقُلُوبُ (٣) الْمُؤْمِنِينَ تَحِنُّ (٤) إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ، وَقُلُوبُ الْكَافِرِينَ تَحِنُّ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ ». (٥)
__________________
وإخلادهم إلى الأرض وتثاقلهم إليها ، فكأنّه ليس لهم من الملكوت نصيب لاستغراقهم في الملك. والخلط بين الطينتين إشارة إلى تعلّق الأرواح الملكوتيّة بالأبدان العنصريّة ، بل نشؤها منها شيئاً فشيئاً ، فكلّ من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ، فيصير مؤمناً حقيقيّاً ، أو كافراً حقيقيّاً ، أو بين الأمرين على حسب مراتب الإيمان والكفر ».
وقال المحقّق الشعراني في تعليقته على الوافي : « ظاهر هذا الكلام [ فكلّ من النشأتين غلبت عليه صار من أهلها ] موجب للجبر ، وهو لا يوافق المذهب ، ويبعد كلّ البعد أن يكون مراد المصنّف ما يظهر من كلامه هذا. فإن قال قائل : إنّ الخلق من طينتين مختلفتين لا يستلزم سلب القدرة عن الطرف المخالف. قلنا : الخلق من طينة علّيّين يوجب أقربيّة مَن خلَق منها إلى الخير ، والسجّين بالعكس ، وهذا أيضاً ظلم قبيح ، ومقتضى العدل واللطف الإلهي أن يخلق جميع الناس من طينة واحدة قريبة إلى الخير ، كما يدلّ عليه الآية الكريمة ، وإن خرج من خرج عن فطرته بسوء اختياره. فإن أمكن تأويل ما يخالف ذلك من الأحاديث بحيث يوافق الآية الكريمة والضروري من مذهب الإماميّة فهو ، وإلاّ فهي مردودة. ونعم ما قال الفاضل محمّد صالح المازندراني : إنّ الخلق من طينتين تابع للإيمان والكفر ومسبّب عنهما ، لا العكس ؛ لأنّ الله تعالى علم أنّ جماعة يؤمنون باختيارهم ، سواء كانوا من طينة علّيّين أو من طينة سجّين ، فخلقهم من طينة علّيّين تشريفاً لهم ، وعلم أنّ جماعة يكفرون باختيارهم ولو كانوا من طينة علّيّين ، فخلقهم من طينة سجّين توهيناً وازدراءً. هذا محصّل كلامه ، ثمّ قال : وبما قرّرنا تبيّن فساد توهّم أنّ الإيمان والفضل والكمال وأضدادها تابعة لطهارة الطينة وصفائها ، وخباثة الطينة وظلمتها ؛ انتهى. فهذه الطينة عارضة على الفطرة الأصليّة على التوحيد ».
(١) في الاختصاص : ـ / « بين ».
(٢) في الوافي : « ذلك ».
(٣) في « ص » : « وقلوب ».
(٤) « تَحِنُّ » ، أي تشتاق ؛ من الحنين ، وهو الشوق وتوقان النفس ، وأصل الحنين : ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها. راجع : الصحاح ، ج ٥ ، ص ٢١٠٤ ؛ النهاية ، ج ١ ، ص ٤٥٢ ( حنن ).
(٥) بصائر الدرجات ، ص ١٥ ، ح ٥ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي ، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ؛ المحاسن ، ص ١٣٢ ، كتاب الصفوة ، ح ٦ ، إلى قوله : « خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك » ؛ علل الشرائع ، ص ٨٢ ، ح ٢ ، وفيهما بسند آخر عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبدالله الهذلي ، عمّن ذكره ، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام ؛ وفيه ، ص ١١٦ ، ح ١٣ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي نعيم الهذلي ، عن رجل ؛ الاختصاص ، ص ٢٤ ، مرسلاً عن ربعي ، عن رجل الوافي ، ج ٤ ، ص ٢٥ ، ح ١٦٤٣.