وكذلك عمدة علمائنا الأخباريّين شيخنا الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه قدسسره تكلّم باصطلاح القدماء حيث ذكر في أوائل كتاب من لا يحضره الفقيه : أنّ كلّ ما ذكره فيه صحيح وأنّه حجّة بينه وبين الله تعالى (١).
وكذلك الإمام ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني قدسسره تكلّم باصطلاح القدماء حيث ذكر في أوائل كتاب الكافي ما محصّله : أنّه صنّفه لأن يزول به إشكال من تحيّر في الأحكام بسبب اختلاف الروايات وعدم تمكّنه من التمييز بين الصحيح
______________________________________________________
وممّا يزيد ما أشرنا إليه وضوحا وبيانا أنّه في المعالم نقل عن السيّد أنّه أورد على نفسه فقال : إذا سددتم باب العمل بالأخبار فعلى أيّ شيء تعوّلون في الفقه كلّه؟ وأجاب بما حاصله : أنّ معظم الفقه يعلم بالضرورة من مذهب أئمّتنا عليهمالسلام فيه بالأخبار المتواترة وما لم يتحقّق ذلك فيه ـ ولعلّه الأقلّ ـ يعوّل فيه على إجماع الإماميّة. ثمّ قال في المعالم : وذكر ـ أي السيّد ـ كلاما طويلا محصّله : أنّه إذا أمكن تحصيل القطع من طرق ذكرها تعيّن العمل عليه ، وإلّا كنّا مخيّرين بين الأقوال المختلفة لفقد دليل التعيين (٢) انتهى كلامهم رحمهمالله.
وإذا تأمّلت هذا الكلام عرفت أنّه ليس لكلّ مسألة من الاصول والفروع يوجد لنا عليها دليل من الحديث مقطوع به ، وأنّ سبب الاختلاف في الأقوال عدم وجود دليل القطع ، وعرفت خلل ما يدّعيه المصنّف : من أنّ كتب الحديث الأربعة جميع ما فيها مأخوذ من اصول معلومة صحيحة كلّها عن أهل البيت عليهمالسلام مقطوع بها ، لأنّ تلك الاصول كانّها كانت غائبة عن السيّد وابن الجنيد وابن أبي عقيل من القدماء وأمثالهم حتّى غفلوا عنها وخالفت فتاواهم غالبا ما فيها ولم نر السيّد ذكرها عند علمه بالمقطوع به من أخبار أهل البيت ولا تعرّض لشيء منها ولا لطريقه إليها عند الحاجة والسؤال عن ذلك بعد ردّه لأخبار الآحاد ، بل أجاب بما يقتضي إمّا الغفلة عنها أو عدم اطّلاعه عليها ، وهذا لا يتصوّر بعد فرض اطّلاع غيره ممّن لم يكن في رتبته ، وإمّا لعلمه بعدم صحّة جميع ما فيها وأنّ أخبارها غير موجبة للعلم في كلّ مسألة كما هو الظاهر من أحاديث الكتب الأربعة والمعتقد لمؤلّفيهم باعتبار مخالفة بعضهم بل كلّهم في بعض المسائل لما فيها واعتراف الشيخ في مواضع كثيرة بضعف طريق ما رواه ، ويردّه بسبب ضعف راويه.
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣ ، مقدمة المؤلّف.
(٢) معالم الدين : ١٩٦.