وذكر في موضع آخر من كتاب المعالم : ذكر السيّد المرتضى رضى الله عنه في جواب المسائل التبّانيات : أنّ أصحابنا لا يعملون بخبر الواحد وأنّ ادّعاء خلاف ذلك عليهم دفع للضرورة ، قال : لأنّا نعلم علما ضروريا لا يدخل في مثله ريب ولا شكّ أنّ علماء الشيعة الإماميّة يذهبون إلى أنّ أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في الشريعة ولا التعويل عليها وأنّها ليست بحجّة ولا دلالة ، وقد ملئوا الطوامير وسطروا الأساطير في الاحتجاج على ذلك والنقض على مخالفيهم فيه ، ومنهم من يزيد على هذه الجملة ويذهب إلى أنّه مستحيل من طريق العقول أن يتعبّد الله تعالى بالعمل بأخبار الآحاد ، ويجري ظهور مذهبهم في أخبار الآحاد مجرى ظهوره في إبطال القياس في الشريعة وحظره *. وقال في المسألة الّتي أفردها في البحث عن العمل
______________________________________________________
المحفوف بالقرائن الّذي يفيد العلم ، وقال : إنّ المحفوف بالقرائن لا نزاع فيه (١) وذلك صريح بأنّ المراد العمل بالأخبار الّتي لم يعمل بها السيّد المرتضى ، وهي الأخبار الّتي لا تفيد إلّا الظنّ ، وهي محلّ الاشتباه والاستدلال. وأمّا ما يفيد العلم فلا خلاف ولا نزاع في وجوب العمل به ولا يحتاج إلى استدلال عليه. ومجرّد ثبوت عمل المتقدّمين به لا يفيد الجزم بالقطع بصحّته وثبوته عن الأئمّة عليهمالسلام ولو أفاد ذلك لما جاز للمرتضى خلافه ، فعلم أنّهم كانوا يكتفون في ذلك بالظنّ وهو حكم خبر الواحد ، فلذلك استدلّ الشيخ به على العمل بخبر الواحد مع كونه لا يفيد إلّا الظنّ ، فأين هذا ممّا فهمه المصنّف من كلام الشيخ رحمهالله أنّه أراد به صحّة الأحاديث بالقطع بأنّها ثابتة عن المعصوم وأنّها تفيد العلم بمنزلة المتواتر.
* كان يحقّ للمصنّف أن يتكلّم على السيّد المرتضى قدسسره في هذا المقام ، لأنّه يقتضي أن كلّ خبر في الكتب الأربعة خالفه في فتواه لا يكون من الأخبار المفيدة للعلم وأنّه لم يعمل بها أحد من العلماء المتقدّمين ، لأنّ عملهم لم يكن إلّا بما يفيد العلم ، وهذه الأخبار الّتي أعرض عنها السيّد لم يكن كذلك ، فلا يجوز العمل بها ، وإنّ ذلك معلوم بالظاهر من مذهب الشيعة الإماميّة ، ويلزم من هذا أنّه لا شيء في الكتب الأربعة من الّتي خالفها السيّد وأمثاله ممّا يفيد العلم وأنّه صحّ نقله عن الأئمّة عليهمالسلام. وهذا ضدّ ما يدّعيه المصنّف ويريد إثباته بقول السيّد في تخيّلاته.
__________________
(١) انظر عدّة الاصول ١ : ١٢٦.