ثمّ أقول : الّذي قطعت به قطعا عاديّا من تتبّع الأحاديث ومن تتبّع كلام علمائنا أنّه كانت عند أصحاب الأئمّة كتب واصول كانوا يرجعون إليها فيما يحتاجون إليه من عقائدهم وأعمالهم مع تمكّنهم من أخذ الأحكام بطريق القطع واليقين ومن استعلام أحوال أحاديث تلك الكتب والاصول عنهم عليهمالسلام مع نهاية فضلهم واحتياطهم وورعهم وحرص الأئمّة عليهمالسلام لا سيّما الصادقين عليهماالسلام في إرشادهم وهدايتهم.
ثمّ اعلم أنّ سبب اعتمادهم على تلك الكتب والاصول لا يخلو من امور :
منها : قطعهم بأنّ الراوي كان ثقة في الرواية.
ومنها : استعلام حال كتابه من بعض أصحاب العصمة ـ صلوات الله عليهم ـ.
ومنها : عرض كتابه على كتاب آخر مقطوع بصحّته ، وأنّ الأئمّة الثلاثة ـ رحمهمالله تعالى ـ أخذوا أحاديث كتبهم من تلك الكتب والاصول *.
______________________________________________________
المرتضى وابن إدريس لفظيّا لا معنويّا وأن العلّامة توهّم ذلك أغرب من الأوّل. وكذلك ادّعاؤه موافقة المحقّق الحلّي على ما أفاده وادّعاه ، والحال أنّ الاختلاف بين المرتضى وابن إدريس وبين الشيخ والمحقّق في الظهور والوضوح كنار على علم. وما كفاه فساد هذه الدعوى حتّى ينسب العلّامة الجليل فيها إلى الوهم ، وهو أحقّ به وبالخطاء في ذلك! وما ادّعاه من تواتر الأخبار بجواز العمل بقول الثقة بقول مطلق وإن كان فاسد المذهب قد بيّنا فيما تقدّم فساده وأنّه مختصّ بمن علم الأئمّة عليهمالسلام ثقته وإيمانه.
* هذا عين النزاع ، فإنّه لو صحّ ذلك لما جاز منهم الغفلة عن التنبيه عليه ولما ناسب وصلهم الحديث بالسند الضعيف الموهم لضعفه غالبا عند غير المطّلع. وقصد اتّصال السند والمحافظة عليه للتبرّك لا يحسن مع استلزامه هذا المحذور القريب. وقد نقل العلّامة رحمهالله في الخلاصة عن الحسن بن عليّ بن فضّال أنّه قال : عليّ بن أبي حمزة يعني البطائني كذّاب متّهم ملعون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة وكتب تفسير القرآن من أوّله إلى آخره ، إلّا انّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثا واحدا (١). وقال ابن الغضائري في حقّه ما يقارب ذلك ويزيد عليه (٢).
فإذا كان هذا كلام القدماء وتصريحهم بكثرة ما رواه هذا الراوي عن الصادق والكاظم عليهماالسلام
__________________
(١) الخلاصة : ٢٣١.
(٢) مجمع الرجال ٤ : ١٥٧.