ودوّنوها في اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ، حتّى أنّ واحدا منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلّموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله ، هذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله ومن بعده من الأئمّة ومن زمان الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام الّذي انتشر العلم عنه وكثرت الرواية من جهته ، فلو لا أنّ العمل بهذه الأخبار كان جائزا لما أجمعوا على ذلك ولأنكروه * ، لأنّ إجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو.
والّذي يكشف عن ذلك : أنّه لمّا كان العمل بالقياس محظورا في الشريعة عندهم لم يعملوا به أصلا ، وإذا شذّ منهم واحد عمل به في بعض المسائل أو استعمله على وجه المحاجّة لخصمه ـ وإن لم يعلم اعتقاده ـ تركوا قوله وأنكروا عليه وتبرّءوا من قوله ، حتّى أنّهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياته لما كان عاملا بالقياس ، فلو كان العمل بخبر الواحد يجري ذلك المجرى لوجب أيضا فيه مثل ذلك وقد علمنا خلافه.
فإن قيل : كيف تدّعون الإجماع على الفرقة المحقّة في العمل بخبر الواحد
______________________________________________________
* هذا ممّا يؤكّد ما شرحناه سابقا ، لأنّ الاستدلال على الجواز بعدم الإنكار لا يناسب أن يكون ذلك في الأخبار المقطوع بصحّتها وثبوتها عن الأئمّة عليهمالسلام في الاصول المدوّنة ، والمصنّف يدّعي على الشيخ أنّه عارف بثبوت تلك الاصول وأنّها موجودة عنده ، ليتمّ له دعوى ثبوت ما في الكتب الأربعة بالجزم والقطع بصحّتها. وإذا كان العمل للمتقدّمين بتلك الاصول الثابتة لم يسغ لأحد الإنكار عليهم في العمل بها ، وإنّما ساغ الإنكار بالعمل بها لأنّها ليست متواترة ولا محفوفة بالقرائن فلا تفيد إلّا الظنّ ، فيسوغ الإنكار ومنافاة القبول ، فعملهم بها من غير نكير يدلّ على جواز ذلك ، خصوصا وقد قال الشيخ بعد ذلك فيما نقله عنه : وجود الاختلاف من الأصحاب بحسب اختلاف الأحاديث يدلّ على أنّ مستندهم إليها ، إذ لو كان العمل بغيرها ممّا طريقه القطع لوجب أن يحكم كلّ واحد بتضليل مخالفه وتفسيقه ، فلمّا لم يحكموا بذلك دلّ على أنّ مستندهم الخبر ، وعلى جواز العمل به ( انتهى كلام الشيخ الّذي نقله عنه رحمهالله ) وأقول بعد هذا الكلام : هل يحتمل كلام الشيخ شيئا ممّا يدّعيه المصنّف من موافقته على اعتقاده؟ ولكن الهوى يعمي ويصمّ.