النظري (١) بالكسب والنظر لأنّه يؤدّي إلى اختلاف الآراء في الاصول وفي الفروع الفقهية كالمناكح والمواريث والديات والقصاص والمعاملات ـ كما هو المشاهد ـ فتنتفي فائدة بعث الرسل وإنزال الكتب ، إذ فائدتهما كما هو المشهور بين علماء الإسلام دفع الاختلاف ليتمّ نظام المعاش *. وأيضا كلّ ما يؤدّي إلى الاختلاف
______________________________________________________
* ما ادّعاه من انحصار الدليل في الإجماع وحده غير مسلّم ، فإنّ دليل العقل قد دلّ معه أيضا على أن كلّ تكليف لم يمكن فيه تحصيل دليل يفيد العلم يرجع فيه إلى الاصول والقواعد الراجعة إلى آثار الأئمّة عليهمالسلام المفيدة للظنّ المأذون في التعويل عليه منهم عليهمالسلام في مسائل عديدة ، وإلّا لزم تعطيل أحكام الله ، والدين متكفّل بتمام أحكامه ؛ على أن اتّفاق الامّة المفيد للقطع كاف في ذلك على ما نقله عن المعالم وكلام العضدي. إن أراد بالإجماع اتّفاق الامّة على عدم المنع من الاجتهاد فهو حقّ ، لأنّه لم يظهر خلاف في ذلك إلّا من المصنّف. وإن أراد إجماعهم المختصّ بالعامّة فهو عندنا ليس بدليل شرعيّ ، لكن على هذا الأصل حيث يثبت الاتّفاق عليه من جميع أمّة الإسلام فهو دليل شرعيّ ، وأمّا ما عداه ممّا يدّعي عليه العامّة الإجماع ولم يكن كذلك فليس عندنا بدليل شرعي. وكلام الأئمّة عليهمالسلام إن صحّ « أنّ الإجماع من مخترعات العامّة » محمول على ما يدّعونه وينفردون به في مسائلهم ، لا على ما اتّفقت عليه كلّ الامّة كالاتّفاق على الصلاة والزكاة والصوم وأمثال ذلك ممّا صار من الضروريّات الاتّفاق عليه.
وما ادّعاه أيضا من تواتر الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهمالسلام بانحصار طريق أخذ هذا العلم في السماع عنهم عليهمالسلام بواسطة أو بدونها ، إن كان المراد به ما حصل الاختلاف فيه بين الإماميّة وغيرهم ولم يكن مدركه العقل ويستقلّ بعلمه فمسلّم ، وإلّا فمنعه ظاهر ، لأنّ السؤال إنّما يحتاج إليه فيما لا يستقلّ بعلمه الإنسان إلّا من جهة السمع.
وكذلك نقله عنهم عليهمالسلام أنّه لا يجوز تحصيل الحكم الشرعي بالكسب والنظر بقول مطلق أيضا غير مسلّم ، لأنّ المعارف الخمس المعروف من مذهب الشيعة وجوب تحصيلها على كلّ مكلّف بالنظر والكسب من جهة العقل ، ولو كان العقل غير كاف فيها لم يثبت الشرع ، فكلّ ما أفاده العقل واستقلّ به لا يحتاج فيه الرجوع إلى الشرع ، وإذا ورد الشرع به كان معاضدا له كاشفا عنه ، لأنّه إذا تعارض الدليل العقلي والنقلي لا بدّ من متابعة الدليل العقلي وتأويل النقلي إن أمكن ،
__________________
(١) الوسائل ١٨ : ٢٠ الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.