ولقد أفاد وأجاد المحقّق الحلّي قدسسره في أوائل كتاب المعتبر حيث قال : إنّك مخبر في حال فتواك عن ربّك وناطق بلسان شرعه فما أسعدك إن أخذت بالجزم وما أخيبك إن بنيت على الوهم ، فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (١) وانظر إلى قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٢) وتفطّن كيف قسّم مستند الحكم إلى القسمين فما لم يتحقق الاذن فأنت مفتر (٣).
ولقد أحسن وأجاد رئيس الطائفة محيي آثار العترة الطاهرة عليهمالسلام حيث قال في موضع من كتاب العدّة موافقا لما نقلناه سابقا من كتاب تهذيب الأحكام له ومن
______________________________________________________
ونعلم قبحها عند ظنّ الخسران. ثمّ قال : وأمّا تعلّق الأحكام الشرعيّة بالظنّ فأكثر من ان تحصى ، نحو وجوب التوجّه إلى القبلة عند الظنّ بأنّها في جهة بخصوصها وتقدير النفقات وأرش الجنايات وقيم المتلفات. ثمّ قال كلاما مفاده : أنّه يجب أن يعلم أنّ الظنّ يكون طريقا إلى العلم في أمثال ذلك ، لأنّه لا فصل بين أن يظنّ جهة القبلة أو يعلمها في وجوب التوجّه إليها. وقال بعد أن ذكر أمثلة عديدة في هذا المعنى : وهذه الجملة إذا تؤمّلت بطل بها قول من أنكر تعلّق الأحكام بالظنون ، ومن توهّم على من سلك هذه الطريقة أنّه قد أثبت الأحكام بالظنون فقد أبعد نهاية البعد ، لأنّ الأحكام لا تكون إلّا معلومة ، إلّا أنّ الطريق إليها تارة العلم واخرى الظنّ (٤) وأطال الكلام في توضيح ذلك ، انتهى كلامه ـ أعلى الله مقامه ـ.
ومن تأمّل كلام السيّد الّذي قدّمناه وكلام الشيخ رحمهالله عرف صراحتهما في الرجوع إلى الظنّ عند عدم العلم في الأحكام الشرعيّة وعرف خطاء المصنّف الّذي نبّهنا عليه سابقا في جعله تلك الأحكام المعوّل فيها على الظنّ أنّها ليست من أحكام الشرع ، وكلام الشيخ صريح في أنّها أحكام شرعيّة. والمصنّف يعتقد مزيّة السيّد والشيخ على غيرهم ولا يعوّل على كلامهما فيما يخالف وهمه ، وكأنّ سبب ذلك اعتقاده في نفسه المزيّة عليهما والإحاطة بما لم يبلغه علمهما وفهمهما ، وهو عين الجهل وأكبر الخطاء!
__________________
(١) البقرة : ١٦٩ ، الأعراف : ٣٣.
(٢) يونس : ٥٩.
(٣) المعتبر ١ : ٢٢.
(٤) عدّة الاصول ٢ : ٦٥٥.