قوله إلى طاعة القوّام بكتابه والناطقين عن أمره ، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ، ثمّ قال : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (١) * فأمّا عن غيرهم فليس يعلم ذلك أبدا ولا يوجد ، وقد علمت أنّه لا يستقيم أن يكون الخلق كلّهم ولاة الأمر ، إذا لا يجدون من يأتمرون عليه ولا من يبلّغونه أمر الله ونهيه ، فجعل الله الولاة خواصّ ليقتدى بهم من لم يخصصهم بذلك ، فافهم ذلك إن شاء الله تعالى. وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك! فإنّ الناس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الامور ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلّا من حدّه وبابه الّذي جعله الله له ، فافهم إن شاء الله تعالى واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله تعالى (٢).
وفي كتاب المحاسن ـ في باب المقاييس والرأي ـ عنه ، عن أبيه ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في رسالة إلى أصحاب الرأي والمقاييس :
أمّا بعد ، فإنّ من دعا غيره إلى دينه بالارتياء والمقاييس لم ينصف ولم يصب حظّه ، لأنّ المدعوّ إلى ذلك لا يخلو أيضا من الارتياء والمقاييس ، ومتى ما لم يكن بالداعي قوّة في دعائه على المدعوّ لم يؤمن على الداعي أن يحتاج إلى المدعوّ بعد قليل ، لأنّا قد رأينا المتعلّم الطالب ربّما كان فائقا لمعلّم ولو بعد حين ، ورأينا المعلّم الداعي ربّما احتاج في رأيه إلى رأي من يدعو وفي ذلك تحيّر الجاهلون وشكّ المرتابون وظنّ الظانّون ، ولو كان ذلك عند الله جائزا لم يبعث الرسل بما فيه الفصل
______________________________________________________
* في الأمر باستنباط ما يجهلونه عنهم عليهمالسلام في الآية تلويح بل تصريح إلى صحّة استنباط المجهول من المعلوم وذلك هو عين الاجتهاد عند الإماميّة ، لأنّهم لا بدّ من رجوعهم فيه إلى الاصول والقواعد الثابتة عنهم عليهمالسلام لأنّ ترجيحهم لحكم من الأحكام لا يستندون فيه إلى الاستنباط من رأيهم أنفسهم وإنّما يرجعون فيه ويستخرجونه من آثار الأئمّة عليهمالسلام وقواعدهم ، فلا يخرج عمّا امروا به بل هو عينه.
__________________
(١) النساء : ٨٣.
(٢) المحاسن ١ : ٤١٧ ، ح ٣٦٢.