الحاجة إنّما يتّجه على مذهب العامّة ، حيث قالوا بعده صلىاللهعليهوآله لم تقع فتنة انتهت إلى إخفاء بعض ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله فذكره في كتب اصول الخاصّة من باب العجلة وقلّة التأمّل في أسرار المسألة.
ومن المعلوم : أنّ هذه الرواية الشريفة المتواترة معنى وكلّ فتوى واردة منهم عليهمالسلام في باب التقيّة ناطقة ببطلان تلك القاعدة الاصولية ، وكم من قاعدة اصولية أبطلناها بأحاديث متواترة عن العترة الطاهرة عليهمالسلام. والله وليّ التوفيق *.
لا يقال : البيان من باب التقيّة نوع من البيان ، لأنّا نقول أوّلا : معنى القاعدة بيان
______________________________________________________
* ليس المفهوم من الروايات المذكورة إلّا أنّ الأئمّة عليهمالسلام أعلم بما فيه الصلاح للسائل عند سؤالهم من الإجابة عند السؤال وعدمها ، لأنّه لا يجوز في العقل ولا الشرع إخفاء الحكم الشرعي عند الحاجة إليه وقد امر بالتبليغ ، ومن ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه. وليس في الرواية تصريح بخصوص جواز ذلك مطلقا حتّى يبطل قول من لم يجوّزه ، وهذه المسألة من جملة مسائل الاصول المتّفق على البحث عنها وتدوينها في مسائل الاصول الّتي لا يستدلّون عليها إلّا بالدلائل القطعية القاطعة ، فمن جملتها : أنّ تجويز ذلك تنافي الحكمة وقت الاحتياج ويلزم منه الإغراء بالجهل إذا أراد المخاطب من العامّ الخاصّ ولم يتنبّه للمخاطب به المكلّف (١) وقت الحاجة إلى امتثاله. وهذا الحكم عامّ في خطاب القرآن والحديث ، فأيّ مناسبة بينه وبين عدم وجوب ردّ الإمام في واقعة جزئيّة لمصلحة اقتضت ذلك ولم تستلزم جهالة ولا مفسدة ، لإمكان العلم بها في غير ذلك الوقت.
والمسألة الاصوليّة مفروضة في أنّه هل يجوز عليه ـ سبحانه وتعالى ـ أن يخاطب في التكليف بخطاب له ظاهر ويريد خلاف ظاهره ولم يبيّن لنبيّ ولا وصيّ أنّه يريد خلاف ظاهره ويوضح له المراد عند الحاجة؟ وقد نقل في المعالم الإجماع من أهل العدل على عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة (٢) وغيره لذلك. ومنافاة الجواز للعقل والحكمة ظاهرة ولا يجوز نسبة ذلك للأئمّة عليهمالسلام لأنّ كلامهم لا يخالف دليل العقل. فلم يكف المصنّف أنّه ارتكب غير الجائز حتّى يتمدح به وتجعله فضيلة اختصّ بها دون الامم السالفة واللاحقة ، فهل جهل أعظم من ذلك؟
__________________
(١) كذا ، والظاهر في العبارة : ولم ينبّه المخاطب المكلّف به.
(٢) معالم الدين : ١٥٧.