الاجتهاديّة الفقهيّة فوجدتهما في مواضع لا تعدّ ولا تحصى مخالفتين لمتواتراتها ، فصرفت عمري دهرا طويلا في المدينة المنوّرة ـ على مشرّفيها ألف صلاة وسلام وتحيّة ـ في تنقيح الأحاديث وتحقيقها ، حتّى فتح الله تعالى عليّ أبواب الحقّ فيما يتعلّق بالاصولين وبالمسائل الفقهيّة وغيرهما ببركات مدينة العلم وأبوابها ،
______________________________________________________
لكنّه ـ عفى الله عنه ـ أساء الأدب وأفحش في حقّ العلماء الأجلّاء وعمدة الفضلاء الّذين هدوا الناس بتحقيقاتهم وشيّدوا معالم الدين بآثار تدقيقاتهم ، فتارة ينسبهم إلى الجهل وسوء الفهم ، وتارة إلى الغفلة وقلّة التدبّر ، وتارة إلى تخريب الدين واتّباع المخالفين ، حتّى أنّه يظهر من لوازم ما نسبهم إليه خروجهم عن الدين! والإقدام على مثل هذا لا يخفى قبحه وجهل مرتكبه على ذي دين قويم وعقل مستقيم ، حتّى أنّ المحقّق نجم الدين أبا القاسم ـ قدّس الله روحه ـ تكلّم على ابن إدريس رحمهالله وأزرى عليه غاية الإزراء ، حيث إنّه تعرّض للشيخ الطوسي ـ تغمّده الله بالرحمة والرضوان ـ في بعض المسائل وتكلّم بما فيه نوع من إساءة الأدب ، فحصل عند المحقّق من مزيد الإنكار والتعجّب من مثل هذا الإقدام ما حصل. فيا ليت شعري كيف لو كان يطّلع على مثل هذا الكلام من المؤلّف في هذا المصنّف!
فعلم أنّ الإقدام على مثل ذلك ما نشأ إلّا من زيادة الغرور بالاعتقاد في النفس زيادة الفضل والكمال والتميّز عن الغير ممّن تقدّم وتأخّر ، وهذا لا يصدر من أهل التقوى والصلاح وممّن يخاف الله في القدح في حقّ العلماء وهضم حالهم ونسبتهم إلى غير ما هو فيهم ، وهو أقبح قبيح في العقل فضلا عن الشرع! حتّى وصل رحمهالله في كثرة افتخاره ومدحه نفسه إلى التشبّث في ذلك بالمنامات الخياليّة والهذيانات القشريّة ، وبالغ في مدح نفسه بالمعرفة والتحقيق وعدم وصول أحد من العلماء إلى ما بلغه من التدقيق وأنّه اختصّ من الله ومن الأئمّة بما لم يحصل لأحد غيره وتعوّذ باعتقاد امور خارجة عمّا علم ضرورة من دين الشيعة ، لأنّها لم يسبق لأحد قبله القول بها ، بل بعضها ممّا اتّفق عليها المخالف والمؤالف وهي واضحة الفساد ، لكن ربّما إذ رآها جاهل أو غافل اعتقدها حقّا ، فساء ظنّه بالسلف واعتقد أنّهم مضوا على الخطاء والغفلة ، بل ربّما تغيّر اعتقاده في هذا المذهب حيث إنّ جلّة علمائه كانوا على غير الصواب ولم يوفّقهم الله للخروج عن هذه الضلالة!
فلزم علينا عند ذلك أن تتبّعنا ما تيسّر تتبّعه وأجبنا عنه بمؤلّف سمّيناه بـ « الشواهد المكّية في مداحض حجج الخيالات المدنيّة » ولا نبرّئ أنفسنا عن الخطاء والزلل في القول والعمل ، والله