ومن جملتها : أنّ كثيرا منهم لم يتفطّنوا بالفرق بين ما إذا علمنا نجاسة شخص محصور بين شخصين معيّنين أو أشخاص معيّنة أو حرمته ولم نقدر على التميّز بينهما أو بينها ، وبين ما إذا لم نعلم نجاسة شخص أو حرمته ، فأجروا حكم الصورة الثانية والأحاديث الواردة فيها في الصورة الاولى.
ومن جملتها : أنّ جمعا من أرباب التدقيق منهم زعموا أنّه إذا علمنا نجاسة ثوب مثلا لا نحكم بطهارته إلّا إذا قطعنا بإزالتها أو شهد عندنا شاهدان عدلان (١) لأنّ اليقين لا ينقض إلّا بيقين أو بما جعله الشارع في حكم اليقين ، وهو شهادة عدلين في الوقائع الجزئية.
وأنا أقول : لنا على بطلان دقتهم دليلان :
الأوّل : أنّ اللبيب الّذي تتبّع أحاديثنا بعين الاعتبار والاختبار يقطع بأنّه يستفاد منها : أنّ كلّ ذي عمل مؤتمن في عمله ما لم يظهر خلافه وإن شئت أن تعلم كما علمنا فانظر إلى الأحاديث الواردة في القصّارين والجزّارين (٢) وحديث تطهير الجارية ثوب سيّدها (٣) والحديث الصريح في أنّ الحجّام مؤتمن في تطهيره موضع الحجامة (٤). لكن لا بدّ من قريحة قويمة وفطنة مستقيمة ، وإلّا تتعب نفسك وغيرك ، فإنّ كلّا ميسّر لما خلق له.
والدليل الثاني : أنّ هذه المسألة ممّا يعمّ به البلوى ، فلو كان حكمها مضيّقا كما زعموا لظهر عندنا منه أثر واضح بيّن ، ولم يظهر منهم عليهمالسلام إلّا ما يدلّ على التوسعة. والله أعلم بحقائق أحكامه *.
______________________________________________________
نجاسة ، فكانت الطهارة فيه أولى من الآخر ؛ وكذلك القول أيضا في الّذي لم يرد فيه تحريم.
* إنّ الحقّ يسوق المصنّف إلى الاعتراف بما يبطل مذهبه واعتقاده من حيث لا يعلم ولا يشعر بذلك! فأين كلامه ممّا ملأ الأسماع والأذهان : أنّه لا يجوز التعويل على الظنّ في أحكامه تعالى بقول مطلق؟ وهنا يكتفي بالظنّ الحاصل من أخبار المخبر في جميع أحكام هذه المسائل
__________________
(١) راجع المعتبر ١ : ٥٤ و ....
(٢) الكافي ٦ : ٢٣٧ ح ٢ ، و ٥ : ٢٤١ ـ ٢٤٣.
(٣) الكافي ٣ : ٥٣ ، ح ٢.
(٤) التهذيب ١ : ٣٤٩.