......................................................
______________________________________________________
الغرض منها الهداية وليس المقصود بها الاشتهار للمخالف والمؤالف ، لأنّها محفوظة مصونة مكتومة عن غير أربابها ، فما الضرورة الّتي أوجبت هذا الاختلاف والتقيّة وتدوين كلّ ذلك في تلك الاصول الّتي ليست مكشوفة للاطّلاع عليها للبعيد والقريب ، وحكمها حكم الآثار والدعوات المنقولة عنهم ليس فيها من الاختلاف والتقيّة ما في الأحاديث ، مع أنّ تجريد الحديث عمّا يوجب الشبهة والحيرة أتمّ من تجريد الدعوات والآثار الواردة عنهم في غير التكاليف الواجبة. فلو كانت تلك الاصول كلّها صحيحة لم يجوّز العقل فيها وقوع هذا الاختلاف. هذا ، مع أنّ النقل والاعتبار يقضي بأنّه لا موجب للتقيّة في تدوين أحاديثها في تلك الاصول بوجه من الوجوه ، لأنّه ما من حديث للتقيّة إلّا وبإزائه حديث أو أحاديث مخالفة له واردة على الصحيح من مذهب الشيعة ، فكيف يجامع ذلك إرادة التقيّة بتدوينها في الاصول الّتي غايتها والمقصود بها هداية الشيعة وحفظ أحكام مذهب الحقّ؟ وخصوصا مع دعوى المصنّف بأنّ أكثرها بأمر الأئمّة عليهمالسلام وأنّها كتبت بين أيديهم ولم ينبّهوا على الموافق منها والمخالف. وما السبب في إدخال أحكام العامّة الباطلة فيها الموجبة للحيرة والاشتباه بغير ضرورة ولا فائدة؟ في كلّ ذلك دليل على أنّ أغلب هذه الأحاديث المخالفة للمذهب إمّا مدخولة في الحديث من أهل الشقاق ـ كما نقل من صريح كلام بعضهم ذلك ـ وإمّا أنّ الراوي سمع الحديث ولم يعلم ما يخالفه من الموافق للمذهب فأثبته كما سمعه ، واختلطت الأحاديث ، ولم يتيسّر لها في زمانهم عليهمالسلام من تميزها بسواء لهم ولا أصحاب الاصول التقوا إلى ذلك (١) إن صحّ أنّها مدوّنة في اصولهم ، وذلك بعيد عنهم لجلالتهم عن ذلك ، خصوصا مع كون بعضها في زمن الأئمة وإمكان استعلام الحال فيها.
وكأنّ المصنّف لم يكن في حال اليقظة لمّا نظر إلى كتاب الاستبصار! وهذا الاختلاف الواقع بين الأحاديث والأكثر موافق لمذاهب العامّة وليس للجمع بين أغلبها سبيل إلّا أن كان بنهاية البعد وعدم المناسبة ، وبعضها لم يكن فيه إلّا الردّ والقطع من الشيخ رحمهالله بعدم صحّته. فما كان اهتمام الأئمّة عليهمالسلام إلّا بالمخالفين حتّى أمروا أصحابهم بتدوين مذاهبهم في الاصول المراد منها هداية الشيعة ؛ على أنّ العقل والضرورة تقضي بأنّ تلك الاصول لو كانت كلّها كلام الأئمّة عليهمالسلام وصحيحة عنهم ما جاز فيها اختلاف حديث ولا تقيّة ، لأنّه ورد عنهم عليهمالسلام : « إنّ كلام الابن هو
__________________
(١) العبارة من قوله : « ولم يتيسّر ... » إلى هنا مغلوطة أو مصحّفة.