العطّار رضى الله عنه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن داود بن فرقد ، عن أبي الحسن زكريا بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (١).
حدّثنا أبي رضى الله عنه قال حدّثنا سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث النخعي القاضي قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : من عمل بما علم كفي ما لم يعلم (٢).
ومقتضى هذه الأحاديث الشريفة أيضا أن لا يتعلّق بنا تكليف ما لم يبلغنا الخطاب الدالّ عليه.
وجه الاندفاع : أنّ الخطاب العامّ الدالّ على وجوب ترك كلّ فعل وجوديّ لم نقطع بجوازه بلغنا ، وهو الحديث المشتمل على حصر الامور في اليقين وفي الشبهة ، وعلى وجوب ترك ما ليس بيقينيّ جوازه ، والأحاديث المشتملة على وجوب التوقّف في كلّ واقعة لم نعلم حكمها بعينه *.
لا يقال : يلزم من الحديث الّذي ذكره ابن بابويه بطلان الحسن والقبح الذاتيّين ، كما ذهب إليه جمهور الأشاعرة حيث قالوا : لو عكس الله تعالى وجعل الكفر واجبا وخلافه حراما لما كان قبيحا ولا محالا ذاتيا.
لأنّا نقول : هنا مسألتان : إحداهما : الحسن والقبح الذاتيان.
والاخرى : الوجوب والحرمة الذاتيان.
والّذي يلزم من ذلك بطلان الثانية لا بطلان الاولى ، وبين المسألتين بون بعيد.
ألا ترى أنّ كثيرا من القبائح العقليّة ليس بحرام في الشريعة ، ونقيضه ليس
______________________________________________________
* هذه الأحاديث واضحة صريحة في نفي ما يدّعيه ، أنطقه الله بها وعرّفه مضمونها ليكون حجّة عليه ، لأنّه ربما لو لم يعلمها كان له حجّة الجهل إن صحّ العذر عنه بها. وما ذكره في وجه الاندفاع مجرّد دعاو على عادته بيّن فسادها وعدم ثبوتها. وما أشار إليه من الأحاديث إن صحّ وصحّت فلا بدّ من حملها على وجه لا تنافي هذه الأحاديث المعتبرة الصريحة في نفي ما يدّعيه.
__________________
(١) التوحيد : ٤٠١ ، ح ٩.
(٢) التوحيد : ٤٠٥ ، ح ١٧.