فتاويه في الامور النظرية العقلية الصرفة؟ وهذان الفاضلان والشهيدان هم العمدة ـ بعد الشيخين الأقدمين ابن الجنيد وابن أبي عقيل وبعد محمّد بن إدريس الحلّي ـ في إجراء أكثر قواعد اصول العامّة وقواعد فنّ دراية الحديث في أحاديث أهل البيت عليهمالسلام وفي أحكامهم. والجماعة الآخرون الّذين وافقوا هذه الخمسة في طريقتهم بضاعتهم في العلوم قليلة وبينهم وبين تحقيق المباحث الغامضة الدينية الاصولية بون بعيد ، هيهات هيهات أين الثريّا من الثرى! وهؤلاء يمكن أن يكونوا معذورين لغفلتهم ، وأمّا بعد ما نبّهنا الناس على أنّهم غفلوا عن كثير من القواعد الاصولية الّتي هي مدار الشريعة وذهبوا إلى نقائضها ، فلو وافقوهم لعمّهم الفسق وشملهم الإثم مع أنّهم اعترفوا بأنّ ظنّ الميت كالميّت *.
______________________________________________________
* قد صار الإقدام على القدح في حقّ العلماء والجرأة عليهم بالفسق واتّباع الباطل وتخريب الدين أمرا معتادا للمصنّف لا يتحرّز منه ، كأنّه أمر أمره الله به بالوحي ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئات أعمالنا! وأوّل ما يقتضي عدم توجّه كلامه على الفاضل الشيخ عليّ الّذي اعترف له بالفضل أنّ القبلة المذكورة لو كانت متحقّقة عن المعصوم اتّجه كلامه ، وأمّا الفضل بن شاذان فليس بمعصوم لا يحتمل خطأه هذا لو علم تصريحه بصحّة تلك القبلة ، وإلّا قد يكون الخطأ سابقا عليه ومنع من تغييره مانع أو لم يتوجّه إلى تغييره كما هو واقع في غير تلك الجهة في كثير من المحاريب ولم يتفق تغييرها مع ظهور خطائها. ومن الجائز صحّة ما اعتبره الشيخ عليّ رحمهالله فمن أين علم خطأه باليقين؟ والثاني : لو سلّم خطؤه في هذه المسألة والإنسان محلّ الخطأ لا يلزم ما ذكره المصنّف من عدم صحّة الاعتماد على فتاويه بطريق العموم.
وقوله : « وهو تبعيد عن الحقّ في أمر يدرك بالحسّ » كيف يدرك بالحسّ غير المشاهد؟ ووصف من تابع المذكورين بشمول فسق المتبوع للتابع وعمومه للجميع هل يعتقده أحد أو ينطق به من يخشى الله سبحانه في حقّ من أحيوا دين الشيعة بمصنّفاتهم وتحقيقاتهم ولم يلحق شوطه خطوهم ولا بحره قطرهم؟ وأين رتبته من رتبتهم وفهمه من فهمهم وأكثر تصوّراته وتحمّسه بتحقيقاته خيالات فاسدة وأفكار باردة لا يتّجه لها طريق مقبول ولا وجه معقول! لكنّ الجهل وعدم التقيّد يقود صاحبه إلى أعظم من ذلك.