فالزموه وما لم تعلموه فردّوه إلينا (١) *.
وفي كتاب المجالس للشيخ الأجلّ أبي عليّ الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي رحمهالله : بسنده عن عمرو بن شمر عن جابر قال : دخلنا على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا ، فودّعناه وقلنا له : أوصنا يا بن رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال عليهالسلام : ليعن قويّكم ضعيفكم ، وليعطف غنيّكم على فقيركم ، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه ، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا. وانظروا أمرنا ، وما جاءكم عنّا فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به وإن لم تجدوه موافقا فردّوه ، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا (٢).
أقول : في هذا الحديث الشريف وأشباهه إشارة إلى أنّ مرادهم عليهمالسلام من العرض
______________________________________________________
* يفهم من هذه الأحاديث عدّة فوائد :
منها : أنّه من زمنهم عليهمالسلام قد وقع الاختلاف والاشتباه في أحاديثهم وعسر على غيرهم تمييزها. وتبيّن من ذلك احتمال كونها موضوعة كذبا عنهم ، لأمرهم بعرضها على كتاب الله وأحاديثهم وردّ ما خالف ذلك. ولو لم يكن أحاديثهم قابلة لدخول الضعيف ما ناسب من السائل الترديد على الإمام فيها مع الاختلاف ، بل كان الموافق لعدم دخول الضعيف فيها وعدم اشتباهها به أن يجنّب الإمام عليهالسلام السائل بأنّ أحاديثنا لا تقبل الاختلاف لأنّ حكمنا واحد إلّا ما كان من باب التقية ، فمشيته عليهالسلام مع السائل في الترديد اعتراف بصدق إمكان ذلك.
ومنها : صحّة التعويل على الظنّ في العمل بالحديث الموثّق حيث قال عليهالسلام : « إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت » لأنّه لا يحصل القطع بأنّ الّذي أخذه هو الحقّ وغيره ليس كذلك في نفس الأمر. وكذلك قوله عليهالسلام في رواية زرارة : « خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ » وقوله : « خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك » فإنّ في ذلك كلّه لا يحصل القطع بأنّه قول المعصوم دون الآخر.
ومنها : أنّه لا يرجع إلى الاحتياط والتوقّف مع إمكان الترجيح ، حيث إنّ الإمام عليهالسلام لم يسوّغه لزرارة إلّا بعد انتفاء جميع التراجيح. وذلك يدلّ على ما أشرنا إليه سابقا : من أنّه لا وجه للتوقّف والاحتياط مع الترجيح. وجميع هذه الوجوه دالّة على بطلان ما يعتقده المصنّف ويصرّح بخلافها.
__________________
(١) السرائر ٣ : ٥٨٤.
(٢) أمالي الطوسي : ٢٣١ ، ح ٤١٠.