فينزله بذهنه الجامد على التأويل الفاسد ويدعو إلى متابعته ، لظنّه الاصابة ، فهو كما قيل : « أساء سمعا فأساء إجابة » فعليك بإمعان النظر فيما يقال ، مستفرغا وسعك في ردّ الاحتمال ، فإذا تعيّن لك الوجه فهناك فقل وإلّا فاعتصم بالتوقّف ، فإنّه ساحل الهلكة ، وإنّك مخبر في حال فتواك عن ربّك وناطق بلسان شرعه ، فما أسعدك إن أخذت بالجزم! وما أخيبك إن بنيت على الوهم! فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) (١) وانظر إلى قوله : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٢). وتفطّن كيف قسّم مستند الحكم إلى قسمين ، فما لم يتحقّق الإذن فأنت مفتر (٣). انتهى كلامه أعلى الله مقامه *.
______________________________________________________
* لو تدبّر المصنّف رحمهالله هذا الكلام لعرف أنّه واقع في أكثره ، لأنّ من مدح نفسه هذا المدح الخارج عن صفة الكمال (٤) وأثبت لغيره من الأجلّاء المعروفين بالإجلال غاية الانتقاص والجهل ونسبهم إلى الغلط وقلّة الفهم وعرض لهم بالفسق وتخريب الدين ونسبهم إلى اتّباع العامّة فيما لا يجوز الاتّباع فيه وتفرّد بدعاوى مخالفة لجميع العلماء المتقدّمين ولم يتصوّرها فاضل من المتأخّرين وشكا (٥) من مواجهة بردها ، ولم يتوفّق للرجوع عن قصدها ؛ وكان يقنعه فيما أراده من إظهار الفضيلة لغير العارف أن يذكر كلّ شيء اقتضاه خياله وانتهى إليه مآله ويجدّد به الدين بعد اندراسه سنين ، ولا يتعرّض بمكروه للمتقدّمين ولا يسمّ بالجهل من لم يوافقه على الباطل من المتأخّرين.
ومن كان بهذا الوصف المتحقر (٦) فهو حقيق بأن يشمله كلام المعتبر. وما أحسن قول القائل :
إنّ المرآة لا تريك خدوش وجهك مع صداها |
|
وكذاك عينك لا تريك عيوب نفسك مع قذاها |
* * *
__________________
(١) البقرة : ١٦٩.
(٢) يونس : ٥٩.
(٣) المعتبر ١ : ٢١.
(٤) وقد قال سبحانه وتعالى : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ) وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : الشيء الّذي لا يحسن أن يقال ولو كان حقّا مدح الإنسان لنفسه ( منه رحمهالله ).
(٥) كذا ، والظاهر : إلّا وشكا.
(٦) في نسخة : المحتقر.