من أهل الجنّة لأنّهما من أقرب المختارين. وهذا هو الحقّ ، بل في حديث صحيح غير واحد من الحفّاظ ـ ولم يلتفتوا لمن طعن فيه ـ أنّ الله تعالى أحياهما له فآمنا به خصوصية لهما وكرامة له صلىاللهعليهوآله فقول ابن دحية : « بردّه القرآن والإجماع » ليس في محلّه ، لأنّ ذلك ممكن شرعا على جهة الكرامة والخصوصيّة ، فلا يردّه قرآن ولا إجماع. وكون الإيمان به لا ينفع بعد الموت محلّه في غير الخصوصيّة والكرامة ، وقد صحّ أنّه صلىاللهعليهوآله ردّت عليه الشمس بعد مضيّها فعاد الوقت حتّى صلّى العصر أداء (١) كرامة له صلىاللهعليهوآله فكذا هنا. وطعن بعضهم في صحّة هذا ممّا لا يجدي أيضا. وخبر « إنّ الله تعالى لم يأذن لنبيّه صلىاللهعليهوآله في الاستغفار لامّه » (٢) إمّا كان قبل إحيائها له وإيمانها به ، أو أنّ المصلحة اقتضت تأخير الاستغفار لها عن ذلك الوقت فلم يؤذن له فيه حينئذ.
فإن قلت : إذا قرّرتم أنّهما من أهل الفترة وأنّهم لا يعذّبون فما فائدة الإحياء.
قلت : فائدته اتّحافهما بكمال لم يحصل لأهل الفترة ، لأنّ غاية أمرهم أنّهم الحقوا بالمسلمين في مجرّد السلامة من العقاب ، وأمّا مراتب الثواب العليّة فهم بمعزل عنها ، فالحقا بمرتبة الإيمان زيادة في شرف كمالهما بحصول تلك المراتب لهما.
ولا يرد على الناظم « آزر » فإنّه كافر مع أنّ الله تعالى ذكر في كتابه العزيز أنّه أبو إبراهيم عليهالسلام وذلك ، لأنّ أهل الكتابين أجمعوا على أنّه لم يكن أباه حقيقة وإنّما كان عمّه والعرب تسمّي العمّ أبا ، بل في القرآن ذلك ، قال تعالى : وآبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (٣) مع أنّه (٤) عمّ يعقوب ، بل لو لم يجمعوا على ذلك وجب تأويله بهذا جمعا بين الأحاديث. وأمّا من أخذ بظاهره ـ كالبيضاوي وغيره ـ فقد تساهل واستروح.
وحديث مسلم قال رجل : يا رسول الله أين أبي؟ قال : « في النار » فلمّا قفا دعاه فقال : « إنّ أبي وأباك في النار » (٥) متعيّن تأويله ، وأظهر تأويلاته : أنّه أراد بأبيه عمّه
__________________
(١) كنز العمّال ١٢ : ٣٤٩ ح ٣٥٣٥٣.
(٢) السيرة الحلبية ١ : ١٠٦.
(٣) كذا ، والآية ( آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) يوسف : ٣٨ ، فلا تصلح للاستدلال ، نعم يصحّ الاستدلال بقوله تعالى حكاية عن بني يعقوب : ( نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ) البقرة : ١٣٣.
(٤) يعني إسماعيل عليهالسلام.
(٥) صحيح مسلم ١ : ١٩١ ، ٣٤٧.