يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم حتّى كان أبو جعفر عليهالسلام ففتح لهم وبيّن لهم مناسك حجّهم وحلالهم وحرامهم ، حتّى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس ، وهكذا يكون الأمر. والأرض لا تكون إلّا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية. وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذا بلغت نفسك هذه ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وانقطعت عنك الدنيا ، تقول : لقد كنت على أمر حسن (١) *.
______________________________________________________
* قال المصنّف في الحاشية على هذا الحديث أقول : هذا الحديث الشريف موافق لما اخترناه من أنّ أوّل الواجبات الإقرار بالشهادتين ، ولما تواترت به الأخبار : من أنّ معرفة خالق العالم ومعرفة النبيّ والأئمّة عليهمالسلام ليستا من أفعالنا الاختياريّة ، ومن أنّه على الله بيان هذه الامور وإيقاعها في القلب بأسبابها وبأنّ على الخلق بعد أن أوقع الله في قلوبهم تلك المعارف الإقرار بها والعزم على العمل بمقتضاها ، ومن أنّ الإيمان عمل كلّه ، ومن أنّ المعرفة متقدّمة عليه ، ومن أنّ تحصيل المعرفة ليس تحت قدرة العبد وتحصيل الإيمان تحت قدرته.
أقول : ليس في هذا الحديث موافقة لما اختصّ باختياره من الامور الخارجة عن الاتّفاق ، بل في كلام السائل والإمام عليهالسلام ما يرشد إلى أنّ جميع ما ذكر من دعائم الإسلام مسندة إلى فعل العبد ، لأنّ إسناد التقصير في الفعل إليه يدلّ على قدرته عليه وإن ترك فعله باختياره ؛ وكذلك نسبة الشهادة والإيمان والإقرار وحقّ الأموال والولاية إلى فعله. وقد اعترف المصنّف به هنا بأنّ الإيمان عمل كلّه وأنّه تحت قدرة العبد ، بخلاف المعرفة. وقد عرفت أنّ الّذي ورد في المعرفة ورد مثله في الإيمان ، وكلاهما مخالف للاتفاق فإمّا أن يعترف المصنّف بتساوي حكميهما في اعتقاد الظاهر أو بتأويليهما ، وإلّا فلا وجه للفرق بينهما بحال.
وممّا يدلّ على أنّ معرفة النبيّ والأئمّة عليهمالسلام ليست حاصلة للمكلّف قبل الدعوة إليها قوله تعالى : ( وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ـ ) إلى قوله ـ ( ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ ) فكيف يصدر هذا الكلام ممّن سبق في عمله من الله ـ سبحانه ـ معرفته وإدراكه ومعرفة النبيّ والأئمّة عليهمالسلام ومع ذلك لا يكون متذكّرا لشيء منه وينكره أشدّ الإنكار ويتعجّب ويتوحّش منه! وإن قلنا : إنّ الله سبحانه حجب معرفة ذلك عنهم ولم يمنحهم بها فلا يحسن في حكمه تعالى
__________________
(١) الكافي ٢ : ١٩ ، ح ٦.