لابن بابويه (١) يشتمل على فوائد لا تعد ولا تحصى :
من جملتها انّ فيه تصريحا بأنّ الإذعان القلبي المتعلّق بالقواعد الإيمانية من الله تعالى وليس من أفعالنا الاختيارية * ، وفيه وجهان :
أحدهما : كونه ميلا قلبيا طبيعيا يترتّب على المقدّمات الفائضة على القلب من الله تعالى.
وثانيهما : كونه مخلوقا لله تعالى ، وهو الحقّ ، وهو صريح الأحاديث ، وذهب إليه المتأخّرون من المنطقيّين ، كما نقله عنهم العلّامة الرازي في شرح الشمسيّة (٢) إلّا أنّه من الأفعال القلبية وذكر السيّد الشريف في حاشية شرح الشمسيّة وغيرها : قد توهّموا أنّ الحكم فعل من أفعال النفس الصادرة عنها ، بناء على أنّ الألفاظ الّتي يعبّر بها عن الحكم تدلّ على ذلك كالإسناد والإيقاع والانتزاع والإيجاب والسلب وغيرها. والحقّ أنّه إدراك ، لأنّا إذا راجعنا إلى وجداننا علمنا أنّا بعد إدراك النسبة الحكمية الاتّصالية والانفصالية لم يحصل لنا سوى ادراك أنّ تلك النسبة واقعة أي مطابقة لما في نفس الأمر ، أو إدراك أنّها ليست بواقعة أي غير مطابقة لما في نفس الأمر انتهى كلامه.
وهنا إشكال لا يزال كان يخطر ببالي في أوائل سنّي ، وهو أنّه كيف نقول بأنّ
______________________________________________________
* قد تقدّم في الأحاديث السالفة : أنّ على العبد قبول ما خلق الله له وعرّفه به من المعرفة به والنبوّة والإمامة ، وذلك يقتضي أن يكون القبول من فعل العبد. وليس المفهوم من القبول إلّا الإذعان القلبيّ ، والمصنّف يوجّه أنّه من فعل الله ، فالكافر حينئذ لم يبق عليه حجّته ، لأنّ توجّه المؤاخذة عليه على اعتقاد المصنّف بأنّ المعرفة والنبوّة والإمامة ليست في قدرته كانت على عدم تلقّي ما خلق الله له وعرّفه به بالقبول والإذعان ، فإذا كان القبول والإذعان أيضا ليس من فعل العبد فقد انتفت عنه المؤاخذة من كلّ وجه ولا يحسن عقابه على كفره ، ولست أدري أمرا يخيّل في العقل حسنه أوجب للمصنّف الدخول والتوغّل في هذه الخيالات والإصرار عليها والتعب المفرط في ترويحها وتحسينها وكلّما زاد خطؤها [ زاد ] وضوحا وبيانا.
__________________
(١) تقدّم نقله في ص ٤١٨ ـ ٤٢١.
(٢) لا يوجد لدينا.