بذلك بل يحكم به بواسطة ورود الشرع بالحسن والقبح ، كحكمه بحسن الصلاة في وقت الظهر وقبحها في وقت الاستواء.
الثالث : يتبادر إلى الذهن استشكال قول المصنّف لهم ، فإنّ الخلاف محكيّ أيضا عن جماعة من أصحابنا كابن أبي هريرة وغيره. والّذي فعله المصنّف هو الصواب ، لأنّ الخلاف المحكيّ عن أصحابنا في ذلك إنّما هو بمقتضى الدليل الشرعي الدالّ على ذلك بعد مجيء الشرع لا بمجرّد العقل ، وليس خلافهم في أصل التحسين والتقبيح بالعقل ، وصار الفرق بينهم وبين أصحابنا في هذا الخلاف من ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّهم خصّوا هذه الأقوال بما لا يقضي العقل فيه بحسن ولا قبح. وأمّا ما يقضي ينقسم إلى الأحكام الخمسة ، ولهذا نسبهم أصحابنا إلى التناقض في قول من رجّح الاباحة أو الحظر ، لأنّ ذلك عندهم يستند إلى دليل العقل وفرض المسألة فيما لم يظهر للعقل حسنه ولا قبحه ، وأمّا أصحابنا فأقوالهم في جميع الأفعال. هذا على طريقة الآمدي ومن تابعه.
والثاني : انّ معتمدهم دليل العقل ، ومعتمد أصحابنا الدليل الشرعي ، أمّا على التحريم كقوله تعالى : ( يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ ) (١) ومفهومه أنّ المتقدّم قبل الحلّ هو التحريم ، فدلّ على أنّ حكم الأشياء كلّها على الحظر. وأمّا على الإباحة كقوله تعالى : ( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (٢) وقوله : ( أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ) (٣) وذلك يدلّ على الإذن في الجميع. وأمّا الوقف فلتعارض الأدلّة بهذه المدارك الشرعيّة الدالّة على الحال قبل ورود الشرائع فلو نرد هذه النصوص لقال الأصحاب : لا علم لنا بتحريم ولا إباحة ، ولقالت المعتزلة : المدرك عندنا العقل فلا يضرّ عدم ورود الشرائع.
والثالث : أنّ الواقفين أرادوا وقف حيرة كما قال التلمساني. وأمّا أصحابنا فأرادوا به انتفاء الحكم على ما سبق انتهى كلام بدر الدين الزركشي في شرح جمع الجوامع (٤).
وفي الشرح العضدي للمختصر الحاجبي : قد قسّم المعتزلة الأفعال الاختيارية
__________________
(١) المائدة : ٤.
(٢) البقرة : ٢٩.
(٣) طه : ٥٠.
(٤) شرح جمع الجوامع : لا يوجد عندنا.