وأقول ثالثا : تحقيق المقام أنّ الرواية كالشهادة إخبار عن محسوس صرف ، والعدالة المعتبرة في الراوي عندكم ملكة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة ، وهي ليست من الامور المحسوسة ، فتكون التزكية إخبارا عن أمر معقول صرف. ومن المعلوم : أنّ الاعتماد على الإخبار عن معقول صرف يحتاج إلى زيادة معونة لا يحتاج إليها الاعتماد على الإخبار عن محسوس ، ولذلك ذكروا في تعريف التواتر : الإخبار عن محسوس. وإن اخذت بمعنى المواظبة على الصلوات بشرط عدم ظهور فسق ـ وهي المعتبرة في باب الشهادات وإمام الجماعات كما استفدناه من الروايات ـ فهي من الامور الّتي تدرك بالحسّ ، لكنّها تحتاج إلى ضمّ خرص واستصحاب ، فلا يعدّ في الاحتياج إلى زيادة معونة في إثباتها ، كما سيجيء في كلامنا *.
______________________________________________________
إلى الأخباريّين ليس معروفا عنهم ، بل مقتضى كلام الشيخ والمحقّق أنّهم كانوا يعتمدون الخبر الواحد ويعملون به ، وأنّ ذلك هو سبب الاختلاف بينهم. واستدلّ الشيخ على جواز العمل به بإجماعهم على ذلك من عدم تناكرهم للفتوى المستندة لاختلاف الأخبار الغير المتواترة أو المحفوفة بالقرائن المفيد للعلم ؛ وكذلك المحقّق مصرّح في العمل به. ولم يكن للمصنّف زاجر من نفسه يرتدع به عن تكرار نسبة هؤلاء الفضلاء الأجلّاء إلى الجهل وعدم المعرفة بمعاني الأحاديث وقلّة البضاعة وتقليد العامّة وغير ذلك من النقائص وتميّز نفسه عنهم باختصاصه بعلم ما جهلوه والتنبيه لما أغفلوه والتنزّه عن الخطأ الّذي سلكوه. وهذا من المصائب الّتي يحقّ الاسترجاع عندها أن يحدث في آخر الزمان عن حرم الذوق والعقل والمعرفة! وآثاره في ذلك واضحة جليّة وآثار غيره في سائر العلوم والكمالات كالشمس في رابعة النهار ، ويجترئ عليهم هذه الجرأة الّتي توجب له اعتقاد خروجهم عن الحقّ والدين ويطلب من غيره اتّباعه في الخطأ وموافقته عليه ، والحال أنّه في حياته قد عرف الإنكار عليه من أدنى من يكون من أرباب المعرفة والدين ، فضلا عن أصحاب العلوم والفضائل الجليلة ؛ ولم ينتفع أحد بآثاره في حياته وكانت وبالا عليه بعد وفاته إلّا ما ترجّاها من الرواية من الشفاعة ، إن سامحته الخصوم فيما رماهم به. والله المستعان.
* المرجع في قبول الرواية هو إلى أنّها إخبار العدل ، فينبغي أن يكون الحكم في التزكية كذلك ، لأنّ الحكم في القبول والاكتفاء به في الرواية ليس له علّة إلّا كونه عدلا ، وهذه العلّة بعينها