الفلاسفة ليس في قدرته تعالى وإيجابه ـ كما اشتهر بين القدماء ـ بل في مجرّد قدم العالم وحدوثه ، وذلك لأنّ المحقّقين من المتكلّمين وافقوا الحكماء في أنّ الشيء ما لم يجب بوجوب سابق لم يوجد وفي امتناع تخلف المعلول عمّا اقتضاه العلّة التامّة فثبت الإيجاب.
وأقول : زعمهم هذا باطل ، وتحقيق المقام : أنّ الفلاسفة زعموا أنّ استناد أفعاله تعالى إلى الداعي يستلزم نقصانه ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا! وذهبوا إلى أنّ الشيء ما لم يجب بوجوب سابق لم يوجد ، ففرّعوا على المقدّمتين أنّ تعلّق إرادته تعالى بأحد طرفي المعلول واجب بالنسبة إلى ذاته تعالى من غير مدخلية الداعي. ومن المعلوم : أنّه يلزمهم أن لا يكون الله تعالى متمكنا من الطرف الآخر كما في الفاعل الطبيعي.
والأشاعرة وافقوا الفلاسفة في المقدّمة الاولى دون الثانية حيث قالوا : تعلّق إرادته تعالى بأحد طرفي المعلول مستند إلى ذاته تعالى من غير أن يوجبه ، وقالوا : إنّ الله تعالى متمكّن من أن يتعلّق إرادته بالطرف الآخر ، لكنّه لم يقع.
والمعتزلة وافقوا الفلاسفة في المقدّمة الثانية دون الاولى ، حيث قالوا : تعلّق إرادته تعالى بأحد طرفي المعلول مستند إلى الداعي بطريق الوجوب. ومن المعلوم : أنّه إذا أوجب الفاعل معلوله لأجل الداعي لا يلزم عدم تمكّنه من الطرف الآخر.
وملخّص الكلام : أنّ كلّ من قال بأنّه ليس في جانب المعلول حالة يكون لها مدخل في إيجاب الفاعل معلوله ، يلزمه أن يكون وجوب المعلول بالنسبة إلى ذات الفاعل ، ويستلزم هذا المعنى عدم تمكّنه من الطرف الآخر كما في الفاعل الطبيعي. وكلّ من أنكر المقدّمة القائلة بأنّ « الشيء ما لم يجب لم يوجد » خلص من أن لا يكون الفاعل متمكّنا من الطرف الآخر ، إذ لا ايجاب حينئذ. وكلّ من قال بأنّ « في جانب المعلول حالة لها مدخل في ايجاب الفاعل له » خلص من ذلك أيضا ، لأنّه من المعلوم بديهة أنّ كلّ من أوجب معلوله لأجل الداعي فهو متمكّن من أن يتركه.
وأقول : بهذا التحقيق ظهر عليك وانكشف لديك أنّ معنى قولهم : « الخلاف في القدرة بمعنى صحّة الفعل والترك » أنّ الخلاف في القدرة بمعنى تمكنه من طرفي