عن شبهة قدم العالم من غير أن يلزم كونه تعالى فاعلا موجبا ومن غير أن يلزم كون أفعاله تعالى معلّلة بالغايات ] (١).
ومن تلك الجملة :
أنّ الفاضل الدواني ذكر في رسالة خلق الأعمال مقتديا بأصحابه الأشاعرة : أنّ اضطرار العبد في أفعاله يلزم المعتزلة ، لأنّ مبادئ أفعاله من التصوّر والتصديق بفائدته وإرادة إيجاده صادرة عنه تعالى وعند حصولها يجب صدور الفعل عنه (٢).
وأنا أقول : هو خيال ضعيف. وذلك ، لأنّ الّذي تسلّمه المعتزلة هو أنّ المبادئ المشتركة بين قلبي الصالح والطالح فائضة منه تعالى ، ثمّ المبادئ المنتهية إلى صدور الفسق بعينه أو المنتهية إلى صدور الكفّ عنه صادرة من العبد عندهم بإيجاب اختياري أي مستند إلى الداعي *.
وبالجملة ، إرادة القبيح قبيحة عقلا وشرعا عند المعتزلة وهي من جملة المبادئ ، فكيف يسلّمون أنّ مبادئ أفعال العباد كلّها فائضة منه تعالى على النفوس الناطقة؟
وتوضيح المقام أن نقول : تخلّف فعل العبد عن إرادته وتخلّف إرادته عن العلم بالعلّة الغائية ممتنعان ، لأجل أنّ العبد عند العلم بالعلّة الغائية يريد البتّة وعند الإرادة يفعل البتّة ، لا أنّه يفعل البتّة لامتناع التخلّف ، حتّى يلزم الاضطرار ، نظير ذلك علمه تعالى في الأزل بفعل العبد في وقت معيّن ، فإنّه تعالى علم لأجل أنّه يفعل العبد ، لا أنّه يفعل العبد لأجل أنّه تعالى علم. وبوجه آخر : المفروض أنّه تعلّق إرادة العبد بأحد طرفي فعله لأجل الداعي. ومن المعلوم : أنّه لا إلجاء حينئذ ، ضرورة أنّ التمكّن من الطرفين وهو معنى القدرة موجود حينئذ.
______________________________________________________
* لو كان مجرّد تصوّر الفعل من العبد والتصديق بفائدته والقدرة عليه المفروض أنّ ذلك كلّه من الله ـ سبحانه ـ موجبا للزوم إيجاد الفعل كان كلام الأشاعرة له وجه. وأمّا إذا لم يكن كذلك بل يكون العبد مع حصول هذه الأشياء قادرا على الفعل والترك فهو معنى الاختيار ، فظهر عدم الإلزام واستغنى عن طول الكلام.
__________________
(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ.
(٢) لا توجد لدينا الرسالة المذكورة.