ذكر قدسسره : فلم تقصر نيّتنا لإهداء النصيحة ، إذ كانت واجبة لإخواننا. ومن المعلوم : أنّ من لم يرض بتقصير في إهداء النصيحة لم يرض بأن يلفّق في كتابه الّذي صنّفه لإرشاد المسترشدين بين الأحاديث الصحيحة المأخوذة من الاصول المجمع عليها ، وبين الأحاديث الّتي لم يثبت صحّتها من غير ذكر ضابطة بها يميّز بين الصحيح وبين غير الصحيح منها ، وهذه المقدّمات قطعية عادية عند اولي الألباب.
الثانية : أنّ الترجيح باعتبار أفقهية الراوي وباعتبار أعدليته وباعتبار كثرة عدده
______________________________________________________
كلّها مثبتة من أصحاب الأئمّة بأمرهم لأجل عقائد الشيعة والخوف من وقوعهم في الجهالة ما جاز تدوين أحاديث مذهب المخالفين فيها بين أحاديث مذهب الشيعة وإدخال الإغراء بالجهل عليهم من غير احتياج إلى تقيّة ولا مناسبة بل مجرّد الضرر والتلبيس. والمصنّف جعل من جملة أسباب تأليف الاصول استغناء الشيعة في عقائدهم وأعمالهم عن الرجوع إلى العامّة ، فما الواجب لتدوين مذاهب العامّة وحفظها في اصولهم والاهتمام بها لو كان التدوين ـ كما ذكره المصنّف ـ بأمر الأئمّة من أصحابهم الثقات ، أهل العلم والفضل المتحرّزين عن تدوين غير الصحيح في اصولهم؟ وقد نبّهنا على أنّه لو فهم صريحا أخبار أصحاب كتب الحديث بصحّتها لم يحتج المتأخّر عنهم إلى التعب في صحّة طرقها ، ولما جاز لهم ردّ شيء منها بضعف السند. والشيخ رحمهالله لم يعتن بتأليف كتابي الرجال إلّا للتفرقة في كتابيه في الحديث بين الصحيح وغيره ، ولو كان يجزم بصحّة ما في كتابيه وليس هناك أحاديث اخر غيرها يهتمّ بها فما الفائدة في اهتمامه واعتنائه بالتأليف فيها ، وكان غيرها للاشتغال به أولى. ولم ندر أيّ غرض صحيح للمصنّف في تكرار هذه الدعوى والاهتمام بها والتلزيقات الّتي يلزقها في إثباتها؟ إن كان مراده الاجتهاد في حفظ الحديث والعمل به وعدم تعطيله فمن هو من العلماء الّذين يتكلّم عليهم عطّل الأحاديث والعمل بها؟ فإنّا إذا رأينا كتبهم الاصول والفروع لا نجد حديثا في مسألة إلّا أوردوه صحيحا كان أو ضعيفا ، خصوصا العلّامة رحمهالله فإنّه قبل من الأحاديث وعمل بها ما لم يقبله غيره ، هذا والمصنّف يتكلّم عليه بأنّه خرب الدين وعطّل أحاديث أصحاب العصمة وعمل برأي المخالفين وقواعدهم افتراء وتعدّيا عليه بغير الواقع. وإن كان مراده : أنّ الدين تمامه وثبوته متوقّف على ذلك فالحمد لله الدين تامّ والمذهب معروف وفي الأحاديث المعتمد عليها ما يفي بذلك وزيادة. والله المستعان.