وعلى كلّ حال ، فإنّ الحقّ قد اتّضح بغير مين وأضاء الصبح لذي عينين.
ومن لطائف ما يناسب ما نحن فيه : ما نظمه مولانا وشيخنا العلّامة والحبر المحقّق الفهّامة الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن ابن العالم الربّاني الشهيد الثاني ـ قدّس الله سرّهما ـ من جملة قصيدة له مسمّاة بـ « النفحة القدسيّة لإيقاظ البريّة » فإنّه قال ، ونعم ما قال :
وأين الّذي للفقه في الدين يبتغي |
|
يقينا إذا استفيضت عليه مسائله |
أو المستشير العزم للسير قاصدا |
|
إلى وجهه شمار منها تناوله |
فيوقل في الآفاق شرقا ومغربا |
|
الا في سبيل الله ما هو فاعله |
وما ذاك وجد القوم فرض كفاية |
|
وقد درست آياته ومنازله |
بل فرض عين يلحق الكلّ حكمه |
|
بلا مزية قامت عليه دلائله |
وإن أمره شيء ويصبح مخلدا |
|
إلى الأرض لا يلقى فقيها يسائله |
ويحسب جهلا أنّه فاز بالتقى |
|
وأدرك في الخيرات ما هو أهله |
لفي غمّة من أمره وكأنّه |
|
لفرط هواه فاقد العقل تأكله |
وأين الّذي إن جاره من مذكر |
|
حديث رشاد بالقبول يقابله |
ومن ذا الّذي عرفته عيب طبعه |
|
لا يستقيم حتّى تقوم مائله |
لقد نال في الناس العدوّ مرامه |
|
وليس لهم علم بما هو عامله |
وممّا يناسب ذلك أيضا ما أنشده الشيخ الفاضل الأديب ناصر البويهي الّذي آباؤه بنوا الحضرة الغروية ـ على مشرّفها ألف سلام وتحيّة ـ ولآبائه مقبرة في النجف تعرف بمقبرة السلاطين ، فإنّه قال من جملة قصيدة أنشدها لبعض أجدادي حين أخّره عن درسه ، فأرسل إليه أبياتا يعاتبه فيها ، من جملتها هذا البيت :
وما كلّ من أدلى من البئر دلوه |
|
يساق ولا من صفّح الكتب فاضل |
وبالجملة ، فإنّ كلّ من لم يكن من المجاهدين كجهاده يتعيّن عليه أن يكون من المقلّدين ، كما قال الله سبحانه : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ) (١) وقال جلّ
__________________
(١) يونس : ٣٥.