مسألة مسألة بدليل دليل ـ ليستنبط منها لكلّ واحد عند الحاجة ، وإذ ليس في وسع الكلّ أيضا أن ينتهض له لتوقّفها على أدوات يستغرق تحصيلها العمر وكان يفضي إلى تعطّل غيره من المقاصد الدينية والدنيوية فخصّ قوم بالانتهاض له ، وهم المجتهدون والباقون يقلّدونهم فيه ، فدوّنوا ذلك فسمّوا العلم الحاصل لهم منها « فقها » وأنّهم احتاجوا في الاستنباط إلى مقدّمات كلّيّة كلّ مقدّمة منها يبنى عليها كثير من الأحكام ، وربّما التبست ووقع فيها الخلاف فتشعّبوا فيها شعبا وتحزّبوا أحزابا ورتّبوا فيها مسائل تحريرا واحتجاجا وجوابا ، فلم يروا إهمالها نصحا لمن بعدهم وإعانة لهم على درك الحقّ منها بسهولة فدوّنوها وسمّوا العلم بها « اصول الفقه » (١).
وفي موضع آخر من الشرح المذكور : الفقه العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة بالاستدلال (٢).
وأورد على حدّ الفقه : أنّ المراد بالأحكام الشرعيّة إن كان هو البعض لم يطّرد ، لدخول المقلّد فيه إذا عرف بعض الأحكام كذلك ، لأنّا لا نريد به العامّي بل من لم يبلغ درجة الاجتهاد وقد يكون عالما يمكنه كذلك مع أنّه ليس بفقيه إجماعا. وإن كان هو الكلّ لم ينعكس ، لخروج بعض الفقهاء عنه ، لثبوت لا أدري عمّن هو فقيه بالإجماع ، نقل أنّ مالكا سئل عن أربعين مسألة ، فقال في ستّ وثلاثين منها : لا أدري.
والجواب : أنّا نختار أنّ المراد البعض ، قولكم : « لا يطّرد لدخول المقلّد فيه » ممنوع ، إذ المراد بالأدلّة الأمارات ولا يعلم شيئا من الأحكام كذلك إلّا مجتهد يجزم بوجوب العمل بموجب ظنّه. وأمّا المقلّد فإنّما يظنّ ظنّا ولا نفضي إلى علم لعدم وجوب العمل بالظنّ عليه إجماعا. أو نختار أنّ المراد الكلّ ، قولكم : « لا ينعكس لثبوت لا أدري » قلنا : ممنوع ، ولا يضرّ ثبوت لا أدري ، إذ المراد بالعلم بالجميع التهيّؤ له وهو أن يكون عنده ما يكفيه في استعلامه بأن يرجع عليه فيحكم ، وعدم العلم في الحالة الراهنة لا ينافيه ، لجواز أن يكون ذلك لتعارض الأدلّة أو لعدم التمكّن من الاجتهاد في الحال لاستدعائه زمانا (٣).
__________________
(١) شرح القاضي : ٥.
(٢) شرح القاضي : ٤.
(٣) شرح القاضي : ٦.