ابن محمّد الغزالي ، وأبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني ، والإمام فخر الدين الرازي ، وغيرهم ، ونصروا مذهبه وناظروا عليه وجادلوا فيه ، فانتشر مذهب أبي الحسن الأشعري في العراق من نحو سنة ثمانين وثلاثمائة وانتقل منه إلى الشام. فلمّا ملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيّوب ديار مصر كان هو وقاضيه صدر الدين عبد الملك بن ديارس الماراني على هذا المذهب قد نشأ عليه منذ كانا في خدمة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق فلذلك حملوا في أيّام دولتهم كافّة الناس على التزامه فتمادى الحال على ذلك ، وأبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر (١) الأشعري البصري ولد سنة ستّ وستين ومائتين. وقيل : سنة سبعين وتوفّي ببغداد سنة بضع وثلاثين وثلاثمائة. وقيل : سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وتلمّذ لزوج أمّه أبي عليّ محمّد بن عبد الوهاب الجبّائي واقتدى برأيه في الاعتزال عدّة سنين حتّى صار من أئمّة الاعتزال ، ثمّ رجع عن القول بخلق القرآن وغيره من آراء المعتزلة ، وصعد يوم الجمعة بجامع البصرة كرسيّا ونادى بأعلى صوته من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اعرّفه بنفسي ، أنا فلان بن فلان كنت أقول بخلق القرآن وإنّ الله تعالى لا يرى بالأبصار وإنّ أفعال الشرّ أنّا فاعلها ، وأنا تائب مقلع معتقد الردّ على المعتزلة مبيّن لفضائحهم ومعايبهم. وأخذ من حينئذ في الردّ عليهم وسلك بعض طريق أبي محمّد عبد الله بن محمّد بن سعيد بن كلاب القطّان وبنى على قواعده وصنّف خمسة وخمسين تصنيفا.
والحقّ الّذي لا ريب فيه : أنّ دين الله تعالى ظاهر لا باطن فيه وجهر لا ستر تحته وهو كلّه لازم كلّ أحد لا مسامحة فيه ، ولم يكتم رسول الله من الشريعة ولا كلمة ولا أطلع أخصّ الناس به ـ من زوجة أو ابنة أو صاحب أو ابن عمّ ـ على شيء من الشريعة كتمه عن الأحمر والأسود ورعاة الغنم ، ولا كان عنده صلىاللهعليهوآله سرّ ولا رمز ولا باطن غير ما دعا الناس كلّهم إليه ، ولو كتم شيئا لما بلّغ كما امر ومن قال هذه فهو كافر بإجماع ، وأصل كلّ بدعة في الدين البعد عن كلام السلف والانحراف
__________________
(١) بشير ( خ ل ).