ثالثاً : يدلّ هذا النصّ على حجّيّة الأئمّة بأقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم.
وهذا أمر لا تقبله الزيديّة بتاتاً ، وعدم قبولهم هذا الأمر من بديهيّات مذهبهم ، ولعلّها من القضايا المعدودة التي اتّفقوا عليها ، بينما نجد أنّ هذا الاعتقاد في الأئمّة من بديهيّات الإماميّة التي اتّفقوا عليها جميعاً.
النصّ الثاني :
قال ـ عند ذمّه لأصحاب الرأي ـ : فأقاموا أضداداً وأنداداً لله ولرسوله ، يفزعون إليهم في هذا كلّه على أنّهم متفرّقون بأقاويلهم ، مستحسنون لآرائهم ، مختلفون بأهوائهم ، فصار هذا يحلّ نازلة يحرّمها هذا ، ويحلّ هذا فرجاً يحرّمه هذا ، ويحلّ هذا دماً يحرّمه هذا ، ويحلّ هذا ما لا يحرّمه هذا ، بلا كتاب في ذلك نزل من الله عليهم ، ولا أمر من رسول الله قصد به إليهم ، وقد نهاهم الله ـ تبارك وتعالى ـ عن ذلك فقال : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)(١) كأبي حنفية وابن أبي ليلى وزفر ومحمّد بن الحسن وجميع من قال برأيه ، ثمّ رووا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الروايات الزور ، وأحاديث الفجور بالمدخول عليهم فيها ; لتقوم بذلك رياستهم ، فزعموا أنّ رسول الله ـ عليه وآله السلام ـ أمر بما نهى الله عنه ، وذلك أنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ نهى عن الاختلاف ، وزعموا أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر به ، إذ قال ـ زعموا ـ : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » (٢).
وهذا النصّ واضح وصريح في ذمّ أصحاب الرأي ، ومدرسة القياس والاستحسان ، وذمّ لكبار هذه المدرسة ومؤسّسيها.
____________
١ ـ النحل : ١١٦.
٢ ـ الكامل المنير : ٣٤.