ثمّ إنّهم ذكروا استحباب السجدة في آخر هذه السورة ، ولعلّ في قوله (إِنَّ الَّذِينَ) الآية إشارة بعيدة إلى ذلك ، وكذا في غيرها والمجموع أحد عشر : آخر الأعراف ، والرعد ، والنحل ، وبني إسرائيل ، ومريم ، والحجّ في موضعين والفرقان ، والنمل ، وص وإذا السماء انشقّت وفي أربع مواضع واجب الم السجدة عند قوله (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (١) وكذا في سورة حم عند قراءة (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ) (٢) الآية ويحتمل عند قوله (لا يَسْأَمُونَ) (٣) ولعلّ الأخير أولى ، والأحوط السجدة فيهما ، وفي آخر والنجم [فَاسْجُدُوا لِلَّهِ] «وَاعْبُدُوا (٤)» وآخر اقرأ (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (٥).
ولعلّ دليل الأصحاب على الوجوب في السور الأربع والاستحباب في الباقي هو الإجماع ، وبعض الأخبار ، مثل ما نقل عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام عزائم السجود أربع (٦) وقول الصادق عليه الصلاة والسلام : إذا قرئ شيء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد ، وإن كنت على غير وضوء وإن كنت جنبا ، وإن كانت المرءة لا تصلّي ، وسائر القرآن أنت فيها بالخيار (٧) ولا يستدلّ على الوجوب بأنّها واردة بصيغة الأمر الدالة على الوجوب لأنّه منقوض (٨) وممنوع إذ لا دلالة
__________________
(١) الم السجدة : ١٥.
(٢) فصلت : ٣٧.
(٣) فصلت : ٣٨.
(٤) النجم : ٦٢.
(٥) العلق : ١٩.
(٦) رواه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٨٥ وأخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة كما في الدر المنثور ج ٥ ص ١٧١.
(٧) راجع الكافي ج ٣ : ٣١٨
(٨) لانه لو كان وجوبها بصيغة الأمر فينبغي أن يكون واجبا في المواضع التي ورد الأمر فيها وأنتم لا تقولون به ، فعلى هذا لا يرد النقض على الشافعي لوجوب السجدة عنده في المواضع كلها ، منه رحمهالله في هامش نسخة عش.
أقول : من المواضع التي ورد الأمر فيها ولم يقولوا به ما في سورة الحج : ٧٧ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَ (اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ) افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقد حملت على الركوع والسجود في الصلاة ، وكذا منقوض طردا بما في سجدة الم السجدة ، لأنها انما تعير المشركين على عدم السجدة وتمدح المؤمنين على فعلها من دون أمر.