الناس عدلت شهادة الزور الشرك بالله ـ وزاد في الكشاف مرّتين ـ ثمّ قرأ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) الآية يريد أنّه قد جمع في النهي بين عبادة الوثن وشهادة الزور ، فقول الزور شهادة الزور ، وقيل هو الكذب والبهتان ، وقيل : قولهم هذا حلال وهذا حرام وغير ذلك من افترائهم وفي الكشاف لمّا حثّ على تعظيم حرماته ، وأحمد من يعظّمها أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور ، لأنّ توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات وأسبقها خطرا ، وجمع الشرك وقول الزور في قران واحد ، وذلك أنّ الشرك من باب الزور ، لأنّ المشرك زاعم أنّ الوثن يحقّ له العبادة فكأنّه قال فاجتنبوا عبادة الأوثان الّتي هي رأس الزور ، واجتنبوا قول الزور كلّه لا تقربوا شيئا منه لتماديه في القبح والسماجة ، وما ظنّك بشيء من قبيل عبادة الأوثان ، وسمّي الأوثان رجسا وكذلك الخمر والميسر والأزلام على طريق التشبيه ، يعني أنّكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء ، مثل تلك النفرة ، ونبّه على هذا المعنى بقوله (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) جعل العلّة في اجتنابه أنّه رجس والرّجس مجتنب ، وفهم هذا كلّه لا يخلو عن بعد فافهم ، ومعلوم دلالتها على ما فيها من الأحكام على كلّ الأقوال ، فلا يحتاج إلى التصريح بها.
(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا) (١) أي شرع الله لكلّ أمّة (مَنْسَكاً) هديا ينسكونه لوجه الله وعلى وجه القربة ، وجعل العلّة في ذلك أن يذكر اسمه بقوله (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) ففيها أيضا دلالة على ذبح الهدي ، وذكر الاسم عليه وكذا في غيرها أيضا.
(وَالْبُدْنَ) (٢) جمع بدنة وهي الإبل (جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) من أعلام الشريعة الّتي شرعها الله ، وإضافتها إلى اسم الله تعظيم لها (لَكُمْ فِيها خَيْرٌ) أي منافع الدّنيا والآخرة لأنّ من احتاج إلى لبنها شربها ، وإلى ظهرها ركبها (فَاذْكُرُوا
__________________
(١) الحج : ٣٤.
(٢) الحج : ٣٦.