كأنّ المراد به ما هو المتعارف والمعدّ للصّلاة الآن ، إذ الحقيقيّ لا يصلّى فيه ، ويدلّ عليه بعض الأخبار أيضا ، أو جملة الحرم ، فيكون «من» للتّبعيض ويكون المراد البعض المخصوص ، وهو المقام الآن ، فيفهم وجوب صلاة وكونها في المقام وهي ركعتا الطّواف فيه ، إذ لا وجوب لغيرهما ، ويدلّ عليه الإجماع والأخبار أيضا.
وإيجاب تطهير البيت على إبراهيم وإسماعيل للطّائفين حوله ، أو المتردّدين وللعاكفين المقيمين أو المعتكفين بالمعنى المتعارف للاعتكاف ، وللمصلّين ، من الأصنام والأنجاس كما قالوا ، وفهم بعض الأصحاب منه وجوب إزالة النّجاسة عن المساجد كلّها متعدّية وغيرها ، وكذا من قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ) (١) الآية ومن وجوب تعظيم شعائر الله ، ومن قوله عليهالسلام : «جنّبوا مساجدكم النّجاسة (٢)» وفهمه مشكل ، لأنّ وجوب الإزالة عليهما من البيت على تقدير تسليم شمول التّطهير للنّجاسة فإنّ احتمال تطهيره من الأصنام بكسرها وإلقائها احتمال راجح ومذكور في التّفاسير ، لا يستلزم الوجوب على غيرهما من المساجد كلّها ، والأصل يؤيّده وقد مرّ البحث في (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ) ووجوب تعظيم شعائر الله بحيث يشمل وجوب الإزالة مطلقا غير مفهوم ، وصحّة الخبر بل سنده غير معلوم ، وكأنّ وجوب تطهيرها من النّجاسة المتعدّية لا خلاف فيه ولا دليل على غيرها.
الثامنة: (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (٣).
هما كانا جبلين بمكّة قريبين من المسجد الحرام وهما الآن دكّتان معروفتان هناك ، والحجّ هو القصد لغة ، وشرعا قصد البيت على الوجه المخصوص المبيّن
__________________
(١) براءة : ٢٨.
(٢) الوسائل الباب ٢٤ ، من أحكام المساجد الحديث المرقم ٢ ، مرسلا من كتب أصحابنا الفقهية.
(٣) البقرة : ١٥٨.