البيان : تقديره دين الملّة القيّمة لأنّه إذا لم يقدّر ذلك كان إضافة للشيء إلى صفته ، وذلك غير جائز لأنّه بمنزلة إضافة الشيء إلى نفسه ، فغير واضح ، لأنّ الكوفيّين يجوّزونها والّذين لم يجوّزوها إنّما لم يجوّزوها مع إفادة معنى الصفتيّة لا مطلقا وهو مصرّح ، ولهذا يجوز الإضافة البيانيّة بالاتّفاق وعلى تقدير العدم ، فالفرق بين إضافته إلى الملّة والقيّمة غير واضح ، خصوصا مع القول بكون الصفة والموصوف بمنزلة شيء واحد فافهم والقائل به أعرف.
وقريب منه قوله (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (١) أي أمر ربّك أمرا مقطوعا به أي حكم وقال : لا تعبدوا إلّا إيّاه ، أي يجب أن تعبدوا الله وحده ولا تعبدوا غيره فتجب العبادة لله وتحرم لغيره ، فتدلّ على الإخلاص فافهم ، أو حكم بأن لا تعبدوا فعلى الأوّل أن مفسّرة وعلى الثاني صلة ، مع حذف الباء عنها ، وهو قياس مطّرد عندهم.
الرابعة (إِنَّهُ) أي المنزل (لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) (٢) صفة أي قرآن حسن مرضيّ أو كثير النفع (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) صفة بعد أخرى أو خبر بعد خبر أي مستور عن الخلق في لوحه المحفوظ (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) صفة لقرآن أو كتاب أو خبر إنّ.
قيل : تدلّ على عدم جواز مسّ القرآن للمحدث مطلقا وهو موقوف على كونه خبرا بمعنى النهي وكونه صفة لقرآن أو خبر إنّ بتقدير مقول فيه لا يمسّه إلّا المطهّرون ورجوع ضمير لا يمسّه إلى القرآن أو إلى المنزل. والرجوع إلى كتاب مكنون وكونه صفة له محتمل واضح مذكور في الكشّاف ويكون المراد حينئذ بالمطهّرون الملائكة المطهّرون من الذنوب مع بقائه بمعناه الخبريّ وجواز كونه صفة لقرآن وخبر إنّ باعتبار ما كان ، والأصل يؤيّده وليس ههنا إجماع ولا خبر صريح صحيح والاحتياط واضح.
الخامسة (فِيهِ) أي في مسجد قبا (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (٣) وفي سبب النزول دلالة على استحباب الجمع بين الأحجار والماء
__________________
(١) الإسراء : ٢٣.
(٢) الواقعة : ٧٦.
(٣) براءة : ١٠٩.