قيل : نزلت في رجل من الصّحابة قتل رجلا من الكفّار في الشهر الحرام فعيّروا المؤمنين بذلك ، فبيّن سبحانه أنّ الفتنة وهو الشرك أشدّ وأعظم من قتل المشركين في الشهر الحرام وإن كان غير جائز ، ثمّ أمر الله وأوجب قتال الكفّار حيث وجدوا وأدركوا في الحلّ والحرم والشهر الحرام وغيره إلّا ما يخرج بالتخصيص وأصل الثقف الحذق في إدراك الشّيء علما أو عملا وهو متضمّن لمعنى الغلبة وإخراجهم من مكّة في مقابلة إخراجهم المسلمين عنها.
وأخبر أنّ الفتنة أي المحنة الّتي يفتتن بها الإنسان ، من الإخراج عن الأهل والوطن أشدّ من القتل أو أنّ شركهم في الحرم أشدّ كما دلّ عليه سبب النزول ، أو أنّ صدّهم المسلمين في الحرم أشدّ من قتلكم إيّاهم ، ولا تبتدؤهم بالقتل في الحرم حتّى لا يلزمكم هتك حرمة الحرم ، فان ابتدؤكم بالقتال فجازوهم به ، فانّ الوبال عليهم ، حيث ابتدءوا به ، وأنتم تجازون وتعدلون ، فليس عليكم به بأس ، ولا يلزمكم هتك الحرم ، ومثل هذا الجزاء هو جزاء الكفّار بالقتل في الحرم وإخراجهم عن الوطن والأهل والمال.
فدلّت على وجوب قتال الكفّار ، وعلى وجوب إخراجهم عن مكّة ، كما قاله الفقهاء أيضا ، بل أعمّ من ذلك حيث قالوا لا يجوز إسكانهم في جزيرة العرب لقوله عليهالسلام لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ، وكأنّ لهم غيره من الأخبار وتفصيل المسئلة في الفقه.
(فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) أي إن امتنعوا عن الكفر والقتل والإخراج وتابوا فانّ الله يغفر لهم ما أسلفوا ويرحمهم ، فدلّت على قبول التوبة من قتل العمد أيضا لأنّ الشرك الّذي هو أعظم منه تقبل التّوبة عنه ، فالقتل بالطريق الأولى كذا في مجمع البيان ، وفيه تأمّل فإنّه على بعض التفاسير والاحتمال ، ومع ذلك يشكل بأنّ قتل العمد حقّ الناس وأنّه ورد فيه الخلود في النار ، وهو يشمل التائب أيضا فلا يلزم من سقوطه سقوطه ، لأنّ الله قد يسقط حقّه بالتوبة ، ولا يسقط حقّ
__________________
(١) البقرة : ١٨٩.